الطبيعي ، كالنار بالنسبة إلى الاحراق ، وإما أن يكون عالما بفعله غير مريد له فيصدر منه الفعل عن شعور بلا إرادة كرعشة المرتعش . وإما أن يكون عالما مريدا عن كراهة لمراده وإنما أراده لأجل أنه أقل الخطرين وأضعف الضررين ، كما في الفاعل المكره . وإما أن يكون فاعلا مريدا لكن لا عن كراهة بل عن رضا بفعله وهو الفاعل المريد الراضي بفعله . والقسمان الأخيران وإن كانا يشتركان في كون الفاعل فيهما مريدا ، لكن لما كان الفاعل في القسم الأول منهما مقهورا بعامل خارجي ، لا يعد فعله مظهر للاختيار التام ، بخلاف الثاني فالفاعل فيه فاعل مختار تام وفعله مجلى للاختيار . وهذا الحصر الحقيقي الذي يدور بين النفي والإثبات يجرنا إلى القول بأن فاعليته سبحانه بأحد الوجوه الأربعة : إما أن يكون فاعلا فاقدا للعلم ، أو يكون عالما فاقدا للإرادة ، أو يكون عالما ومريدا ولكن عن كراهة لفعله لأجل إحاطة قدرة قاهرة عليه ، أو يكون عالما ومريدا راضيا بفعله . وفاعلية الباري سبحانه غير خارجة عن إحدى هذه الوجوه . والثلاثة الأول غير لائقة بساحته سبحانه فتعين كونه فاعلا مريدا مالكا لزمام فعله وعمله ، ولا يكون مقهورا في الايجاد والخلق . هذا من جانب . ومن جانب آخر إن الإرادة في المراتب الإمكانية لا تنفك عن الحدوث والتدرج والانقضاء بعد حصول المراد ، ومن المعلوم إن إجراءها بهذه السمات على الله سبحانه ، محال لاستلزامه طروء الحدوث على ذاته . فيجب علينا في إجرائها عليه سبحانه حذف هذه الشوائب ، فيكون المراد من إرادته حينئذ اختياره وعدم كونه مضطرا في فعله ومجبورا بقدرة قاهرة . فلو صح تسمية هذا الاختيار بالإرادة فنعم المراد ، وإلا وجب القول بكونها من صفات الفعل . وبعبارة أخرى : إن الإرادة صفة كمال لا لأجل كونها حادثة طارئة