بل هما أمران يدركهما العقل من مطابقة الفعل للمأمور به ومخالفته له . فعندئذ ليس هنا أي إشكال في قدرته سبحانه على مثل ما قام به العبد بما هو مثل ، بأن يكون فعله سبحانه متحد الذات والهيئة مع فعل العبد وهيئته . وأما عدم اتصاف فعله سبحانه حينئذ بوصف الطاعة والعصيان فلا يضر بقدرته تعالى على مثل ما أتى به الإنسان ، لأن الملاك في المثلية هو واقعية الفعل وحقيقته الخارجية لا العناوين الاعتبارية أو الانتزاعية غير الداخلة في حقيقة الشئ . وإلى ما ذكرنا ينظر قول العلامة الحلي في شرح التجريد : " إن الطاعة والعبث وصفان لا يقتضيان الاختلاف الذاتي " [1] . نفترض أن إنسانا قام ببناء بيت امتثالا لأمر آمره ، فالله سبحانه قادر على إيجاد مثل ذلك البيت من دون تفاوت قدر شعرة بينهما ويتسم فعل العبد بالطاعة دون فعله سبحانه ، لكن ذلك لا يوجد فرقا جوهريا بين الفعلين ، بل الفعلان متحدان ماهية وهيئة . وإنما الاختلاف في الأمر الاعتباري أو الانتزاعي ، ففعل الإنسان إذا نسب إلى أمر الآمر يتسم بالطاعة دون فعله سبحانه . وهذا لا يوجب التقول بأنه سبحانه لا يقدر على مثل فعل عبده . نعم ، هناك أفعال صادرة عن الإنسان بالمباشرة ، قائمة به قيام العرض بالموضوع ، كالشرب والأكل . فعدم صدورهما عن الله سبحانه سببه كونهما من الأفعال المادية القائمة بالموضوع المادي ، والله سبحانه منزه عن المادة ، فلا يتصف بهذه الأفعال . ومع ذلك كله : فالإنسان وما يصدر منه من الأفعال المباشرة بإقداره سبحانه وحوله وقوته ، بحيث لو انقطع الفيض من ربه لصار الإنسان مع فعله خبرا بعد أثر .