بقيت هنا نكات يجب التنبيه عليها : الأولى - العلة عند الإلهي والعلة عند المادي . إن كلا من الإلهي والمادي يستعمل كلمة العلة وكل يريد منه معنى مغاير لما يريده الآخر . فالعلة عند الإلهي هي مفيض الوجود على الأشياء ومخرجها من العدم ، ومصيرها موجودة بعد أن كانت معدومة - فعند ذلك يكون المعلول بمادته وصورته وبجميع شؤونه منوطا بها ، فالعلة هي التي تعطي المادة وجودها وصورتها وكل شؤونها وهي التي - بالتالي - تخرجها من ظلمة العدم إلى حيز التحقق . وللتوضيح نمثل لذلك بالصور الذهنية والنفس الإنسانية . إن النفس توجد الصور في الذهن وتكونها فيه ، نعم النفس تستعين في خلقها لبعض الصور بأمثلة خارجية محسوسة ولكنها قد تخلق أحيانا صورا في الذهن لا مثيل لها في الخارج كالصور الخيالية غير الموجودة في الخارج . وعلى ذلك فالعلة التي يقصدها الإلهي هي ذلك . وبالتالي إن الخالق خلق المادة وأفاض عليها صورها وأحاطها بشبكة من النظام البديع الذي لم يكن قبل ذلك قط . وأما العلة عند المادي فهي الموجد للحركة والتفاعلات في المادة ، كالنجار الذي يجمع الأخشاب من هنا وهناك ويضم بعضها إلى بعض بنحو خاص فتصير على هيئة الكرسي ، أو كالبناء الذي يجمع الأحجار والطين من هنا وهناك ويرتبها بهندسة خاصة فتصير جدارا وبناء ، أو كالنار التي توجب غليان الماء وتحوله إلى بخار . وربما يتوسع المادي في استعمال كلمة العلة فيطلقها على نفس المادة المتحولة إلى مادة أخرى كالحطب إلى الرماد ، والوقود إلى الطاقة ،