الرابع التأويل أن المعتزلة هم المشهورون بهذه النظرية حيث يفسرون اليد بالنعمة و القدرة ، والاستواء بالاستيلاء وإظهار القدرة . وسيظهر حقيقة التأويل في هذه الآية عندما نورد عبارات تفسير ( الكشاف ) الذي ألف على نمط اعتزالي . ويلاحظ عليهم ، أن تأويل نصوص الآيات وظواهرها مع قطع النظر عن مورد الصفات الخبرية ، ليس بأقل خطرا من نظرية الإثبات ، إذ ربما ينتهي التأويل إلى الالحاد وإنكار الشريعة [1] . وما أقبح قول من يقول : " إن ظاهر القرآن يخالف العقل الصحيح ، فيجب ترك النقل لأجل صريح العقل " . أو يقول : " التمسك في أصول العقائد بمجرد ظواهر الكتاب والسنة من غير بصيرة ، هو أصل الضلالة ، فقالوا بالتشبيه والتجسيم والجهة عملا بظاهر قوله : * ( الرحمن على العرش استوى ) * [2] . وذلك لأنه لا يوجد آية في الكتاب العزيز يخالف ظاهرها صريح العقل ، فإن ما يتخيلونه ظاهرا ليس بظاهر ، بل الآية ظاهرة في غير ما تصوروه ، وإنما خلطوا الظاهر الحرفي بالظاهر الجملي . فإن اليد مفردة ظاهره في العضو الخاص وليست كذلك فيما إذا حفت بها القرائن وجعلتها ظاهرة في معنى آخر . فإن قول القائل في مدح إنسان أنه " باسط اليد " ، أو في ذمه بأنه " قابض اليد " ، ليس ظاهرا في اليد العضوية التي أسميناها بالمعنى الحرفي بل ظاهر في البذل والعطاء أو في البخل والاقتار وربما يكون مقطوع اليد . وحمل الجملة على غير ذلك المعنى ، حمل على غير ظاهرها .
[1] قد استوفى الشيخ الأستاذ دام ظله الكلام في أقسام التأويل في مقدمة الجزء الخامس من موسوعته القرآنية " مفاهيم القرآن " ص 12 - 16 . [2] شرح أم البراهين ، ص 82 كما في علاقة الإثبات والتفويض ، ص 67 .