العارف : " من عرف الله كل لسانه " أي " من عرف الله " على سبيل المشاهدة والذوق " كل لسانه " عن العبارة والإشارة والغرض من هذا كله أن الإمام عليه السلام إذا كان بإفشاء الأسرار الإلهية من أعظم خواصه وأكبر تلامذته بهذه المثابة ، فلا يجوز لغيره إفشاؤها مع كل أحد من العوام والجهال ، فإذن عليك بكتمانها وإخفائها عن غير أهلها اتباعا لله تعالى ولرسوله ولإمام المسلمين كافة . ويروى عن كميل ( رضي الله عنه ) مثل ذلك أيضا وأبلغ في كتمان الأسرار وإخفائها ، كما هو مذكور في نهج البلاغة ، وهو أنه قال ( رضي الله عنه ) : " أخذ بيدي أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) فأخرجني إلى الجبانة فلما أصحر ، تنفس الصعداء ثم قال لي : يا كميل بن زياد ! " إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها فأحفظ عني ما أقول لك : الناس ثلاثة : فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيؤا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق . يا كميل : العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق وصنيع المال يزول بزواله ، يا كميل ! معرفة العلم دين يدان به ، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته ، العلم حاكم والمال محكوم عليه ، يا كميل بن زياد : هلك خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة ؟ إن ههنا لعلما جما - وأشار بيده إلى صدره - لو أصبت له حملة ! بلى ! أصبت لقنا غير مأمون عليه ، مستعملا آلة الدين للدنيا ، ومستظهرا بنعم الله تعالى على عباده ، وبحججه على أوليائه ، أو منقادا لحملة الحق لا بصيرة له في أحنائه ، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة : ألا ! لاذا ولا ذاك ، أو منهوما باللذة - سلس القيادة للشهوة ، أو مغرما بالجمع والادخار ليس من رعاة الدين في شئ أقرب شئ شبها بهما الأنعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه ، اللهم بلى : لا تخلو الأرض من قائم لله بحججه ، إما ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا ، لئلا تبطل حجج الله وبيناته ، ولم ذا ؟ وأين أولئك - لا والله - الأقلون عددا . والأعظمون عند الله قدرا ، بهم يحفظ الله تعالى حججه وبيناته ، حتى يودعوها نظراءهم ، ويزرعوها في قلوب أشباههم ، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة ،