وقد أجاب أبو عثمان الجاحظ في كتاب العباسية عن هذا السؤال جوابا جيد المعنى واللفظ ، نحن نذكره على وجهه ليقابل بينه وبين كلامه في العثمانية وغيرها . قال : وقد زعم ناس أن الدليل على صدق خبرهما يعني أبا بكر وعمر في منع الميراث وبراءة ساحتهما ترك أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) النكير عليهما ، ثم قال : فيقال لهم : لئن كان ترك النكير دليلا على صدقهما ليكونن ترك النكير على المتظلمين منهما والمحتجين عليهما والمطالبين لهما بدليل دليلا على صدق دعواهم واستحسان مقالتهم لا سيما وقد طالت المشاحنات ، وكثرت المراجعة والملاحات ، وظهرت الشكيمة ، واشتدت الموجدة ، وقد بلغ ذلك من فاطمة ( عليها السلام ) حتى أنها أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر وقد كانت ، قالت له حين أتته طالبة بحقها ومحتجة برهطها : من يرثك يا أبا بكر ، إذا مت ؟ قال : أهلي وولدي ، قالت : فما بالنا لا نرث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فلما منعها ميراثها وبخسها حقها ، واعتل عليها ، ولج في أمرها ، وعاينت التهضم ، وآيست من النزوع ، ووجدت مس الضعف وقلة الناصر ، قالت : والله لأدعون الله عليك ، قال : والله لأدعون الله لك . قالت : - والله - لا أكلمك أبدا ، قال : والله أهجرك أبدا ، فإن يكن ترك النكير على أبي بكر دليلا على صواب منعه إن في ترك النكير على فاطمة ( عليها السلام ) دليلا على صواب طلبها ، وأت ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت وتذكيرها ما نسيت وصرفها عن الخطأ ورفع قدرها عن البذاء وأن تقول هجرا أو تجور عادلا ، أو تقطع واصلا ، فإذا لم نجدهم أنكروا على الخصمين جميعا فقد تكافأت الأمور واستوت الأسباب والرجوع إلى أصل حكم الله في المواريث أولى بنا وبكم ، وأوجب علينا وعليكم ، وإن قالوا كيف يظن ظلمها والتعدي عليها ؟ وكلما ، ازدادت فاطمة ( عليها السلام ) غلظة ازداد عليها لينا ورقة حيث تقول : - والله - لا أكلمك أبدا فيقول : والله لا أهجرك أبدا ، ثم تقول : والله لأدعون الله عليك فيقول : والله لأدعون الله لك ، ثم يحتمل هذا الكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة وبحضرة قريش والصحابة مع حاجة الخلافة إلى البهاء والرفعة وما يجب لها من التنويه والهيبة ، ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذرا أو متقربا كلام المعظم لحقها ، المكبر لقيامها والصائن لوجهها ، والمتحنن عليها : ما أحد أعز علي منك فقرا ولا أحب إلي منك غنى