وجوه من النظر : الأول : أن ما ذكره قاضي القضاة ، من أنه شهد بصدق الرواية في أيام أبي بكر : عثمان وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبد الرحمان ، باطل غير مذكور في سيرة ورواية من طرقهم وطرق أصحابنا ، وإنما المذكور في رواية مالك بن أوس التي رووها في صحاحهم : أن عمر بن الخطاب لما تنازع عنده أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والعباس استشهد نفرا فشهدوا بصدق الرواية ، ولنذكر ألفاظ صحاحهم في رواية مالك بن أوس على اختلافها ، حتى يتضح حقيقة الحال : روى البخاري ومسلم وأخرجه الحميدي ، وحكاه في جامع " الأصول " في الفرع الرابع من كتاب الجهاد من حرف الجيم ، عن مالك أنه قال : أرسل إلي عمر فجئته حين تعالى النهار ، قال : فوجدته في بيته جالسا على سرير مفضيا [1] ، إلى رماله ، متكئا على وسادة [2] من أدم ، فقال لي : يا مالك ، أنه قد دف أهل أبيات من قومك [3] وقد أمرت فيهم برضخ [4] فخذه فأقسم بينهم قال : قلت : لو أمرت بهذا غيري ، قال : خذه يا مالك ، قال : فجاء يرفأ [5] فقال : هل لك في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد ، فقال عمر : نعم فأذن لهم فدخلوا ، ثم جاء فقال : هل لك في عباس وعلي ( عليه السلام ) قال : نعم فأذن لهما ، فقال العباس : إقض بيني وبين هذا ، فقال القوم أجل ! فاقض بينهم وأرحهم ، قال مالك بن أوس : فخيل إلى أنهم قد كانوا قدموهم لذلك ، فقال عمر اتئدوا [6] : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، أتعلمون أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : لا نورث ما تركنا صدقة ؟ قالوا : نعم ، ثم أقبل على العباس وعلي ( عليه السلام ) فقال : أنشدكما بالله الذي بأذنه تقوم السماء والأرض ، أتعلمان أن رسول
[1] أي ملقيا نفسه على الرمال لا حاجز بينهما ، ورمال السرير - بالكسر : ما رمل أي نسج ، جمع رمل بمعنى مرمول كالخلق بمعنى المخلوق ، والمراد به أنه كان السرير قد نسج وجهه بالسعف ولم يكن على السرير وطا سوى الحصير . [2] الوسادة : المخدة . [3] ودف أهل أبيات : أي دخلوا المصر ، يقال : دف دافة من العرب . [4] الرضخ - بالضاد والخاء المعجمتين - : العطاء القليل . [5] يرفأ - بالراء والفاء والهمز على صيغة المضارع - : كينع ، علم مولى عمر بن الخطاب . [6] اتئدوا : أمر من التؤدة أي التأني والتثبت .