تعالى حكاية عن زكريا : * ( رب هب لي من لدنك ذرية طيبة ) * . وقوله : * ( رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين * فاستجبنا له ووهبنا له يحيى ) * ، والقرآن يفسر بعضه بعضا ، واختلف المفسرون في أن المراد بالميراث العلم أو المال فقال ابن عباس والحسن والضحاك : أن المراد به في قوله تعالى : " يرثني " وقوله سبحانه : * ( ويرث من آل يعقوب ) * ميراث المال . وقال أبو صالح : المراد به في الموضعين ميراث النبوة . وقال السدي ومجاهد والشعبي : المراد به في الأول : ميراث المال ، وفي الثاني : ميراث النبوة ، وحكى هذا القول عن ابن عباس والحسن والضحاك . وحكي عن مجاهد ، أنه قال : المراد من الأول : العلم ، ومن الثاني : النبوة . وأما وجه دلالة الآية على المراد فهو أن لفظ الميراث في اللغة والشريعة والعرف إذا أطلق ولم يقيد ، لا يفهم منه إلا الأموال وما في معناها ، ولا يستعمل في غيرها إلا مجازا ، وكذا لا يفهم من قول القائل : " لا وارث لفلان " إلا من ينتقل إليه أمواله وما يضاهيها دون العلوم وما يشاكلها ، ولا يجوز العدول عن ظاهر اللفظ وحقيقته إلا لدليل ، فلو لم يكن في الكلام قرينة توجب حمل اللفظ على أحد المعنيين ، لكفى في مطلوبنا ، كيف والقرائن الدالة على المقصود موجودة في اللفظ . أما أولا : فلأن زكريا ( عليه السلام ) اشترط في وارثه أن يكون رضيا ، وإذا حمل الميراث على العلم والنبوة لم يكن الإشتراط معنى ، بل كان لغوا عبثا ، لأنه إذا سأل من يقوم مقامه في العلم والنبوة فقد دخل في سؤاله الرضا ، وما هو أعظم منه ، فلا معنى لاشتراطها ، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول أحد : اللهم ابعث إلينا نبيا واجعله مكلفا عاقلا . وأما ثانيا : فلأن الخوف من بني العم ومن يحذو حذوهم يناسب المال دون النبوة والعلم ، وكيف يخاف مثل زكريا ( عليه السلام ) من أن يبعث الله تعالى إلى خلقه نبيا يقيمه مقام زكريا ولم يكن أهلا للنبوة والعلم سواء كان من موالي زكريا أو من غيرهم ، على أن زكريا ( عليه السلام ) كان إنما بعث لإذاعة العلم ونشره في الناس ، فلا يجوز أن يخاف من الأمر الذي هو الغرض في بعثته ، فإن قيل : كيف يجوز على مثل زكريا ( عليه السلام ) الخوف من أن يرث الموالي ماله ، وهل هذا إلا الشح والبخل ؟ قلنا : لما علم زكريا ( عليه السلام ) من حال الموالي أنهم من أهل الفساد ، خاف أن ينفقوا أمواله