فزبدة المخض من هذه كلها أن إبقاء ذلك الباب والإذن لأهله بما أذن الله لرسوله مما خص به مبتن على نزول آية التطهير النافية عنهم كل نوع من الرجاسة . وقال العلامة الشيخ السعيد جمال الدين الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني ( رحمه الله ) : وروى الصدوق في كتاب " من لا يحضره الفقيه " عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مرسلا أنه قال : " إن فاطمة ( صلوات الله عليها ) ليست كأحد منكن ، إنها لا ترى دما في حيض ولا نفاس كالحورية . . . " ولا يخفى ما في هذه الروايات من المنافاة لما سبق في حديث قضاء الحائض للصوم دون الصلاة من أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يأمر فاطمة ( عليه السلام ) بذلك . ووجه الجمع حمل أمره ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لها ( عليها السلام ) على إرادة تعليم المؤمنات ، وهو نوع من التجوز في الخطاب شائع ، ولعل المقتضي له في هذا الموضع رعاية خفاء هذه الكرامة كغيرها مما ينافي ظهوره بلاء التكليف [1] . وفي ختام هذا البحث ينبغي أن تلاحظ ما جاء في غسلها ووصيتها ( عليه السلام ) قبل الوفاة ، وهو أدل دليل وأقوى حجة على أنها كانت طاهرة ميمونة في حياتها وبعد مماتها ، ولم يحدث الموت فيها رجاسة ولا دناسة ، مع أنك تعلم أنه مما لا خلاف فيه تنجس البدن بعد الموت وبعد خروج النفس عنه ، ولأجل ذلك لا بد أن يغسل الميت حتى يطهر بدنه وينظف جسمه ، إلا أن سيدة النساء ( عليه السلام ) أوصت أن لا يكشفها أحد ، وأن تدفن بغسلها قبل الوفاة . روى أحمد في مسنده عن أم سلمى ( زوجة أبي رافع ) قالت : اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيه ، فكنت أمرضها ، فأصبحت يوما كأمثل ما رأيتها في شكواها تلك ، قالت : وخرج علي لبعض حاجته ، فقالت : يا أمة اسكبي لي غسلا . فسكبت لها غسلا ، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغسل ، ثم قالت : يا أمة أعطيني ثيابي الجدد ، فأعطيتها ، فلبستها ، ثم قالت : يا أمة قدي لي فراشي وسط البيت ، ففعلت ، واضطجعت واستقبلت القبلة وجعلت يدها تحت خدها ، ثم قالت : يا أمة إني مقبوضة الآن وقد تطهرت ، فلا يكشفني أحد ، فقبضت مكانها . قالت : فجاء علي فأخبرته [2] .
[1] منتقى الجمان : 1 / 224 . [2] مسند أحمد : 6 / 461 ، وكذلك ورد هذا الخبر في كتب مختلفة للعامة والخاصة ، منها " الإصابة " لابن حجر في ترجمتها عليها السلام ، و " حلية الأولياء " : 2 / 43 ، و " كشف الغمة " : 1 / ص 502 ، و " المناقب " لابن شهرآشوب : 3 / 364 ، و " المستدرك " للمحدث النوري : 1 / 104 في نوادر الغسل .