فحولها الله إلى حجر في فمها فلفظتها ، ثم جدعت أنفه ، وأذنه ، وقطعت أعضائه وشوهت صورته النورانية بوحشية وحقد يظهران نكسة الشر في طبعها ، والدناءة والخباثة القابعة في داخلها ، والمعروف أن الحمزة بن عبد المطلب ، يوم شهادته في أحد ، كان صائما فأفطر في الجنة مع الشهداء والصديقين والزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح على روحه الطاهرة ، فهو يومذاك كان يمثل قمة الشهادة ، وسيد الشهداء ، لأنه قتل يوم أحد ، وأحد قبل يوم كربلاء بقرابة خمسين عاما من الزمن ، ومعنى ذلك أن الحمزة كان سيد الشهداء بحق ودون منازع ، فماذا يعني بالنسبة لنا ذهاب فاطمة إلى قبر الحمزة سيد شهداء أحد ؟ . . أن فاطمة عندما تذهب إلى قبر الحمزة ، وتصنع مسبحة من التراب الممزوج بدم الشهادة ، فإنها تعطينا درسا بليغا في أن الشعار وحده لا يبني مجتمعا ، ويقيم أمة ، وإنما لا بد للشعار من محتوى عملي ، ومنهج تطبيقي ، وبكلمة . . لا بد للشعار من ممارسة فعلية وذلك أن الشعار لا بد له من هدف يتجه نحوه ، ومن دون هدف ، يغدو تافها لا يثير دهشة أحد ، ولا يشد انتباه أحد ، ولا يربط على قلب أحد . وأقبح ما يكون أن يرفع الإنسان شعارا يخالفه ، ويعمل ضده . يقول القرآن الكريم في هذا المضمار : * ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) * [1] . وفي مكان آخر يقول : * ( لم تقولون ما لا تفعلون . . كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) * [2] ولذلك كان ولا يزال ملاك الشعائر وتطبيقها . . وأصبح تعظيمها يعني العمل بها . . ولا يطبقها إلا من امتحن الله قلبه للتقوى * ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) * [3] . وللفائدة أقول : إنه لا فرق بين الشعار والشعيرة في هذا الموضوع بالذات . . فالشعار جمعه شعارات والشعيرة جمعه شعائر ، وكلها تصب في نهر واحد ، لأن الغاية من ذكرها هنا تحقيق غاية سامية ، وهدف شريف رباني وإذا كان الشعار وحده لا يبني مجتمعا خاصة ، إذا كان خاليا من محتوى ، فإن أهداف الشهادة هي المضمون الجيد للشعار ، وهي المحتوى الراقي لشعائر الله والتسبيح معناه التنزيه لله من كل عبث في الكون
[1] سورة البقرة : الآية 44 . [2] سورة الصف : الآيتان 2 و 3 . [3] سورة الحج : الآية 32 .