في فاطمة من خلال تطلعه إلى آفاق المستقبل الذي سيكون لولد فاطمة فكان يكرمها ويحترمها ويقول لها مرحبا بأم أبيها . * ولعل وجه تكنيتها بأم أبيها هو أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يعاملها ( عليها السلام ) معاملة الولد أمه ، وأنها تعامله معاملة الأم ولدها كما أن التاريخ يؤيد ذلك والأخبار تعضده ، ففي الأخبار الكثيرة أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقبل يدها ويخصها بالزيارة عند كل عودة منه إلى المدينة المشرفة ويودعها منطلقا عنها في كل أسفاره ورحلاته . وكأنه يتزود من هذا النبع الصافي عاطفة لسفره كما يتزود الولد المؤدب من أمه . ونلاحظ من جهة أخرى أن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) تحتضنه وتضمد جروحه وتخفف من آلامه كالأم المشفقة لولدها ، وبالجملة كل ما يجده الولد في أمه من العطف والرقة والشفقة والأنس فهو ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجده في فاطمة وكأنها أمه [1] . * ونقل المولى الأنصاري ( ره ) : إن النكتة في هذه التكنية إنما هي محض إظهار المحبة ، فإن الإنسان إذا أحب ولده أو غيره وأراد أن يظهر في حقه غاية المحبة قال : " يا أماه " في خطاب المؤنث ، ويا " أباه " في خطاب المذكر ، تنزيلا لهما بمنزلة الأم والأب في المحبة والحرمة على ما هو معروف في العرف والعادة [2] . أو أن الله عز وجل لما شرف وكرم أزواج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بتكنيتهن بأمهات المؤمنين صرن في معرض أن يخطر ببالهن أنهن أفضل النساء حتى من بضعة المصطفى فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، ولأجل ذلك كناها أبوها بأم أبيها صونا لهذه الخواطر والوساوس ، يعني يا نساء النبي إن كنتن أمهات المؤمنين ، ففاطمة ( عليها السلام ) أم النبي ، أم المصطفى ، أم الرسول ، أم أبيها . ويمكن أن يراد بهذه التكنية معنى أدق وأعمق من الأول والثاني وإن كان الأول هو الأظهر ، وهو : أن أم كل شئ أصله ومجتمعه كما صرح به أهل اللغة كأم القوم وأم الكتاب وأم النجوم وأم الطرق وأم القرى وهي مكة شرفها الله تعالى ، وأم الرأس وأم الدماغ و . . فعليه يمكن أن يقال : إنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أراد منها أن ابنتي فاطمة هي أصل شجرة
[1] فاطمة بهجة قلب المصطفى : 204 . [2] اللمعة البيضاء : 50 .