نعم ، فإذا كانت مدينة النجف الأشرف ، وبالأخص حوزتها العلمية قد عرفت بالشيخ خضر عالما فاضلا ، وتقيا مصلحا أخذ العلم على يد كبار أساتذتها ، وابتز أقرانه بجده واجتهاده ، فإنها قد شهدت من بعده وعلى يد أبنائه وأحفاده الكثير من العطاء الذي طوقت أفضاله رقاب عموم الشيعة خاصة وباقي المسلمين عامة . وهكذا فقد كانت هجرة الشيخ خضر رحمه الله تعالى إلى النجف الأشرف قبل ما يقارب من المائتين والتسعين عاما انعطافا كبيرا في حياة هذه الأسرة الشريفة ، ورفدا عظيما لمسار الحوزة العلمية ودورها في قيادة عموم الطائفة الشيعية في جميع العالم . وكان الشيخ خضر قد خلف أربعة من الأبناء ، أشهرهم العلامة ، الشيخ الأكبر جعفر كاشف الغطاء ، وحاله وسمو منزلته لا تخفى على أحد ، بل هو كالشمس في رابعة النهار ، تشد إليه الرحال ، وتقصده أفاضل الرجال ، وتتزود من علمه أكثر جموع الطلبة والدارسين والباحثين . وإذا كان والده الشيخ خضر قد وضع أساس هذه الأسرة الشريفة في جنبات مدينة العلم ، وقبلة الدارسين والباحثين عن صفو علوم أهل بيت العصمة عليهم السلام ، فإن الشيخ جعفر رحمه الله تعالى قد أشاد لعائلته صرحا شامخا ، وشرفا منيفا ، ومكانة عالية ، واسما ميمونا ، حتى طغى اسم أشهر مؤلفاته ، وهو كشف الغطاء ، على أسرته وأحفاده ، فأسموا بآل كاشف الغطاء ، منذ ذلك اليوم ، وحتى يومنا هذا ، بل وأمسوا لا يعرفون بغيره ، ولا يرتضون سواه ، فكان خير إرث تركه لهم ، إرث عظيم لا تقاس به الكنوز ولا القطائع . ومن ثم فإن البنيان الشامخ لهذه الأسرة الطيبة المباركة كان لا بد له من