ولولا البداء لم يكن وجه للصدقة ، ولا للدعاء ، ولا للشفاعة ، ولا لبكاء الأنبياء والأولياء وشدة خوفهم وحذرهم من الله ، مع أنهم له يخالفوه طرفة عين ، إنما خوفهم من ذلك العلم المصون المخزون الذي لم يطلع عليه أحد ، ومنه يكون البداء . وقد بسطنا بعض الكلام في البداء وأضرابه ، من القضاء والقدر ، ولوح المحو والاثبات ، في الجزء الأول من كتابنا ( الدين والاسلام ) فراجع إذا شئت . الثاني : من الأمور التي يشنع بها بعض الناس على الشيعة ويزدرى عليهم بها قولهم ( بالتقية ) جهلا منهم أيضا بمعناها وبموقعها وحقيقة مغزاها ، ولو تثبتوا في الأمر ، وتريثوا في الحكم ، وصبروا وتبصروا لعرفوا أن التقية التي تقول بها الشيعة لا تختص بهم ، ولم ينفردوا بها ، بل هو أمر ضرورة العقول ، وعليه جبلة الطباع ، وغرائز البشر . وشريعة الاسلام في أسس أحكامها ، وجوهريات مشروعيتها ، تماشي العقل والعلم جنبا إلى جنب ، وكتفا إلى كتف ، رائدها العلم ، وقائدها العقل ، ولا تنفك عنهما قيد شعرة ، ومن ضرورة العقول وغرائز النفوس : أن كل انسان مجبول على الدفاع عن نفسه ، والمحافظة على حياته ، وهي أعز الأشياء عليه ، وأحبها إليه . نعم قد يهون بذلها في سبيل الشرف ، وحفظ الكرامة ، وصيانة الحق ، ومهانة الباطل ، أما في غير أمثال هذه المقاصد الشريفة ، والغايات المقدسة ، فالتغرير بها ، وإلقاؤها في مظان الهلكة ، ومواطن الخطر ، سفه وحماقة لا يرتضيه عقل ولا شرع ، وقد أجازت شريعة الاسلام المقدسة للمسلم في مواطن الخوف على نفسه أو عرضه إخفاء الحق ، والعمل به سرا ، ريثما تنتصر دولة الحق وتغلب على الباطل ، كما أشار إليه جل شأنه