كذي الخويصرة ، فلذلك لما انهزموا لم يخبر الله بالعفو عن الجميع ، وإنما قال : ( ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ) ، كما في قوله تعالى : ( لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ، ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين [99] وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ثم يتوب الله بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم ) [100] . أقول : ومن هذه الآية نعلم سر تعليق العفو بالمشيئة ، بخلاف الآيات في حق المسلمين المنهزمين يوم أحد إذ كانت جازمة بالعفو عنهم . وهذا يتفق أيضا مع قول الله عز وجل يوم تبوك ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة . . ) ، مع أن جيش المسلمين كان فيه غير هؤلاء كثير من الطلقاء والأعراب والعتقاء ونحوهم ، ممن لم يخبرنا الله بالتوبة عليهم ، كما لم يخبرنا بالسخط عليهم ، فيتوقف فيهم ، إلا من أظهر منهم الصلاح والصدق وحسن الإسلام ، فيحب ويوالي لهذا ، ومن ساءت سيرته وكثر ظلمه
[99] لا يدخل الطلقاء والشكاكون والمتنطعون في مسمى ( المؤمنين ) هنا مثلما لا يدخل الأعراب في مسمى ( الإيمان ) وقد كانوا هم والطلقاء في جيش النبي ( ص ) يومئذ وكان فيهم ذو الخويصرة وأمثاله وكان فيهم من خرج مع النبي ( ص ) ولا زالت الأزلام معه كما ورد ذلك في روايات أهل السير ، ثم لو شمل هذا المسمى أولئك فهو من باب التغليب وهناك نظائر كثيرة لهذا في القرآن الكريم ففد يطلق ( يا أيها الذين آمنوا . . . ) ويدخل المنافقون تحت هذا وإن لم يدخلوا عند التحقيق بأدلة أخرى تخرجهم من اسم الإيمان . [100] التوبة : 25 - 27 .