نام کتاب : وقفة مع الدكتور البوطي نویسنده : هشام آل قطيط جلد : 1 صفحه : 26
فالتاريخ حكيم يريك الذين أساؤوا وظلموا كيف انخفضوا وتسافلوا ، وكيف سجل لهم التاريخ العادل على صفحات سوداء نفوسا قذرة وأفعالا نكرة ، كلما تذكرهم إنسان ذكرهم بالخزي واللعنة ، والتقبيح والمذمة . ويريك الذين أحسنوا واتقوا كيف ارتفعوا وتساموا ، وسجل لهم التاريخ العادل على صفحة بيضاء بأحرف من نور حياة لا تموت ووجودا لا يفقد . فأقول فما العلم إلا بتاريخه ، وما الأمم إلا بماضيها ، ومن لا ماضي له لا حاضر له ، ومن لا طفولة له لا شباب له ولا شخصية سوية له . يقول أوغست كونت ( 1798 - 1857 ) " إن تاريخ العلم هو العلم نفسه " . لذا فإن عزل الماضي عن الحاضر هو فصل لوحدة التاريخ ، ولا أحد يملك التاريخ حتى يفصل بين أجزائه . أما الماضي فليس معناه جملة الإنجازات المعبر عنها - بتراث الأوائل - بكل ما يحمل في طياته من سلبيات وإيجابيات ، وإنما هو الطاقات أو القيم المحركة الكامنة فيه ، التي خلقت أصالته ، والقادرة على عملية الخلق الحضاري وتطويره باستمرار ، وبعبارة أخرى ، إن الدعوة التي استلهمها من الماضي دعوة للعودة إلى الينابيع الأولى التي حاكت هذا الماضي ، مع الاحتراز من الانحرافات التي شهدها وكانت السبب في تقويضه . وكما قال الدكتور مهدي فضل الله [1] : " بعض من أدعياء المعرفة يهزأ بماضينا المجيد ، ليس ذلك فحسب ، إنما يمعن قدحا في من يحاول إحياءه . لهؤلاء يمكن القول : كما إن الإنسان وحدة لا تتجزأ ، كذلك التاريخ والعلم والمجتمع والعقيدة فالكل من الجزء والجزء من " ما صدق " الكل ومن خاصيته . من هنا تكون عملية الجذب الدائم باستمرار بين الماضي والحاضر والمستقبل ، كما هو بين الجوهر والعرض ، والعدل والعدالة والحق والحقيقة ، والوجود والموجود ، والعلة والمعلول . ومن هنا يتراءى لنا أن صرف النظر عن الماضي من المحال ، لأنه صرف عن الزمان ، وصرف عن الذات ، والزمان
[1] من وحي الحسين / الدكتور مهدي فضل الله / ص 38 .
26
نام کتاب : وقفة مع الدكتور البوطي نویسنده : هشام آل قطيط جلد : 1 صفحه : 26