واستمرت هذه الحالة مدّة ستة أشهر حتى ولد لأبي مولود جديد ، فحملته إليه ودخلت الغرفة الخاصة به وقدّمته إليه فأخذه مستبشراً ، ثم أذّن في أذنه اليمنى ، وكانت المفاجئة أنّه أذّن بأذان الشيعة الاثني عشرية ، فاستغربت من ذلك وتفاجأت بما فعل ، فاستفسرت منه هذا الفعل ، فأجابني : إنّ البحث والتتبع الذي غاص فيه طيلة هذه الفترة قد غيّر مجرى معتقده ، وأنّه كشف عبر ذلك أموراً كان غافلاً عنها فيما سبق ، ولذلك اختار مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ليكون له معتقداً ينتمي إليه ويتمسك به " . ماذا بعد إعلان الاستبصار : يضيف الأخ حارث الغزالي : " انتشر خبر استبصار أبي في أُسرتنا ، فتفاجأ به الجميع ولكنّنا كلّنا وثقنا بما ذهب إليه أبي ، لأننا لم نعهد منه من قَبل ما يقدح بعدالته ، بل كان نموذجاً وقدوة لنا في السلوك والأخلاق والعقيدة ، فلهذا إنتمينا للمذهب الذي انتمى إليه من دون تردّد ، ولكنه لم يكتفي بتقليدنا في هذا المجال ، بل جعّل يعرض علينا أصول مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ومباني عقيدتهم بالتدريج ، وكان لذلك أثراً بليغاً في تمسكنا بهذا المذهب ، لأننا بعد معرفة الأدلة والبراهين لمسنا أثر صفاء هذه العقيدة على كياننا بصورة مباشرة ، واطمئنت نفوسنا إليها ، فاندفعنا بعد الاقتناع لأن نتمسك بها بقوّة . وهكذا بدأ أبي نشاطه من جديد ، فتقدّم إلى العمل التوجيهي بعزم وثبات وإرادة راسخة ، وبدأنا نلحظ فيه الحيوية أكثر من قبل ، فكان مندفعاً بقوّة ليجسّد المبادئ التي توصّل إليها ، وكان يدعو الناس إليها ويكشف لهم عن وجه الحقيقة ، حتى استبصر على يديه العديد من أبناء منطقتنا ، فتمسكوا بمذهب عترة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد أن زالت عنهم الحجب ، فلاح إلى أبصارهم نور تلك المصابيح التي لا يهتدي بها إلى الصراط المستقيم إلاّ أولي الأبصار .