وتاريخنا الإسلامي المجيد حافل منها بمشاهدات جمة وتزهر صفحاته بصور زاهية عما تحكيه عن نماذج وجدت الكلمة الطيبة والموعظة البالغة طريقها إلى نفوسهم ، فتمردوا على واقعهم عندما لاح لهم زيفه ، وبدا ضعفه ووهنه ، وظهر عدم جدواه ولغوه ، أو عندما يتحقق لهم أن أساسه باطل ، ويلمسوا انحرافه عن جادة الحق والصواب ، وأنه لا طائلة منه سوى الظلم والتعسف والجور ، وذلك لما يتحسسوا من صدق العقيدة ، ووضوح المبدأ ، وسلامة الفكرة فيما يلقى عليهم ويسمعوه ، أو يشاهدوه ويلاحظوه ، أو يقرؤوه ويعاينوه ، لا بل إن بعضهم - ممن أنعم الله عليه بصفاء الوجدان وخلوص السريرة - تبلغ به الاستجابة للكلمة الحقة حدا " من التأثر إلى أن تسمو روحه وتتعالى حتى تفارق جسده ، فهذا ( همام ) [1] وهو من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام - كما يحدثنا التاريخ - طلب من ملك البلاغة وسلطان الفصاحة الإمام علي عليه السلام ، أن يصف له المتقين حتى كأنه ينطر إليهم ، فعندما شرع أمير المؤمنين عليه السلام برسم تلك اللوحة النفيسة بدأت ذات همام ومشاعره تتفاعل مع كل كلمة ينطقها الإمام وتتسامى مع كل
[1] قال ابن أبي الحديد في شرح النهج : 10 / 134 : همام المذكور في هذه الخطبة : هو همام بن شرح بن يزيد بن مرة بن عمرو بن جابر بن يحيى بن الأصهب . . . بن سعد العشيرة ، وكان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام وأوليائه ، وكان ناسكا " عابدا " . . . .