مرة أخرى فيقول : لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته عليكم [1] . والأعجب من ذلك في أمر أبي حفص هو منعة الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحبسه الصحابة في المدينة ومنعهم من الخروج منها ، ونهيه المبعوثين من قبله إلى الأقطار بأن لا يحدثوا الناس عن السنة النبوية ، وحرقه للكتب التي كانت بأيدي الصحابة وفيها أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ألم يفهم عمر بن الخطاب بأن السنة النبوية هي تبيان للقرآن الكريم ؟ أو لم يقرأ قوله سبحانه وتعالى : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل : 4 ] . أم أنه فهم من القرآن ما لم يفهمه صاحب الرسالة الذي أنزل عليه القرآن ؟ وهذا ما يحاوله بعض المهوسين الذين يقولون بأن القرآن كثيرا ما ينزل موافقا لآراء عمر ، ومخالفا لآراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إنهم لا يفقهون . وكنت دائما أتعجب عندما أقرأ في البخاري رفض عمر قبول رواية عمار بن ياسر بخصوص تعليم النبي له كيفية التيمم ، كما أتعجب من قول عمار : إن شئت لا أحدث به . مخافة من عمر ، فيتبين بوضوح بأن عمر بن الخطاب كان شديدا على كل من يروي أحاديث الرسول فيلحقه الأذى . وإذا كان الصحابة من قريش يخافون من الخليفة فلا يخرجون من المدينة وحتى الذين يخرجون منها يمتنعون عن نقل الأحاديث النبوية ، ثم يحرق لهم كتبهم التي جمعوا فيها الأحاديث فلا يتكلم منها أحد ، فما قيمة عمار بن ياسر الغريب البعيد والبغيض لقريش لوقوفه مع علي بن أبي طالب وحبه إياه ؟
[1] وهذا الحديث اتخذه أبو حنيفة حجة على جواز الخلافة للموالي وخالف بذلك الصريح من حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن الخلافة لا تكون إلا في قريش ، ومن أجل ذلك اعتنق الأتراك مذهب أبو حنيفة عندما استولوا على الخلافة وسموا أبا حنيفة الإمام الأعظم .