مؤسفة وقعت لي عندما دخلت إلى مسجد أبي حنيفة في القاهرة وصليت معهم صلاة العصر جماعة فما راعني بعد الصلاة إلا والرجل الذي كان قائما بجانبي يقول لي في غضب " لماذا لا تكتف يديك في الصلاة " فأجبته بأدب واحترام أن المالكية يقولون بالسدل وأنا مالكي فقال لي : " إذهب إلى مسجد مالك وصل هناك " فخرجت مستاءا ناقما على هذا التصرف الذي زادني حيرة على حيرتي . وإذا بالأستاذ العراقي يبتسم ويقول لي إنه هو الآخر شيعي . فاضطربت لهذا النبأ وقلت غير مبال لو كنت أعلم أنك شيعي لما تكلمت معك ، قال : ولماذا ؟ قلت لأنكم غير مسلمين فأنتم تعبدون علي بن أبي طالب والمعتدلون منكم يعبدون الله ولكنهم لا يؤمنون برسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله ، ويشتمون جبرائيل ويقولون بأنه خان الأمانة فبدلا من أداء الرسالة إلى علي أداها إلى محمد ، واسترسلت في مثل هذه الأحاديث بينما كان مرافقي يبتسم حينا ويحوقل [1] أحيانا ، ولما أنهيت كلامي سألني من جديد : أنت أستاذ تدرس الطلاب ؟ قلت نعم ، قال : إذا كان تفكير الأساتذة بهذا الشكل فلا لوم على عامة الناس الذين لا ثقافة لهم ! قلت : ماذا تقصد ؟ أجاب : عفوا ولكن من أين لك هذه الادعاءات الكاذبة ؟ قلت من كتب التاريخ ومما هو مشهور عند الناس كافة . قال : لنترك الناس كافة ولكن أي كتاب تاريخ قرأت ؟ بدأت أعدد بعض الكتب مثل كتاب فجر الإسلام وضحى الإسلام وظهر الإسلام لأحمد أمين وغيرها ، قال : ومتى كان أحمد أمين حجة على الشيعة ؟ وأضاف : إن مقتضى العدل والموضوعية أن تتبين الأمر من مصادرهم الأصلية المعروفة . قلت : وكيف لي أن أتبين في أمر معروف لدى الخاص والعام ، قال : إن أحمد أمين نفسه زار العراق وكنت من بين الأساتذة الذين التقوا به في النجف وعندما عاتبناه على كتاباته عن الشيعة اعتذر قائلا : إني لا أعلم عنكم أي شئ وأني لم أتصل بالشيعة من قبل وهذه أول مرة ألتقي فيها بالشيعة .
[1] حوقل ، بحوقل : يكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .