وقد نجد أن المستكبرين في كل عصر يميلون إلى الاجتهاد ويطبلون له لأنه يفسح لهم المجال للوصول إلى مآربهم من كل طريق ، أما النصوص فتقطع عليهم وجهتهم وتحول بينهم وبين ما يرومون . ثم أن الاجتهاد وجد له أنصارا في كل عصر ومصر حتى من المستضعفين أنفسهم لما فيه من سهولة التطبيق وعدم الالتزام . ولأن النص فيه التزام وعدم حرية وقد يسمى عند رجال السياسة الحكم الثيوقراطي يعني حكم الله ولأن الاجتهاد فيه حرية وعدم التزام بالقيود وربما يسمونه الحكم الديمقراطي يعني حكم الشعب فالذين اجتمعوا في السقيفة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله ألغوا الحكومة الثيوقراطية التي أسسها رسول الله على مبدأ النصوص القرآنية ، وأبدلوها بحكومة ديمقراطية يختار الشعب فيها من يراه صالحا لقيادته ، على أن أولئك الصحابة لم يكونوا ليعرفوا كلمة ( الديمقراطية ) لأنها ليست عربية ولكنهم يعرفون نظام الشورى [1] . فالذين لا يقبلون النص على الخلافة - اليوم - هم أنصار ( الديمقراطية ) ويفتخرون بذلك مدعين أن الإسلام هو أول من ارتأى هذا النظام ، وهم أنصار الاجتهاد والتجديد وهم اليوم أقرب ما يكونون من النظم الغربية ولذلك نسمع اليوم من الحكومات الغربية تمجيدا لهؤلاء وتسميتهم بالمسلمين المتطورين والمتسامحين . أما الشيعة أنصار ( الثيوقراطية ) أو حكومة الله والذين يرفضون الاجتهاد مقابل النص ويفرقون بين حكم الله والشورى ، فالشورى عندهم لا علاقة لها بالنصوص وإنما الاجتهاد والشورى في ما لا نص فيه ، أفلا ترى أن الله سبحانه
[1] رغم أنه في الواقع لم يحصل حتى هذا النوع من الانتخاب إذ أن الذين انتخبوا لا يملكون حق تمثيل الأمة بأي وجه من الوجوه علاوة على غياب الكثيرين من وجوه المسلمين الذين لهم حق الانتخاب فكانت كما جاء في الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين يخاطب أبا بكر : فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم * فكيف بهذا والمشيرون غيب وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم * فغيرك أولى بالنبي وأقرب