من الذي أطلق مصطلح أهل السنة والجماعة ؟ ! لقد بحثت في التاريخ فلم أجد إلاّ أنّهم اتفقوا على تسمية العام الذي استولى فيه معاوية على الحكم بعام الجماعة ، وذلك أن الأمة انقسمت بعد مقتل عثمان إلى قسمين : شيعة علي وأتباع معاوية ، ولما استشهد الإمام علي واستولى معاوية على الحكم بعد الصلح الذي أبرمه مع الإمام الحسن ، وأصبح معاوية هو أمير المؤمنين ، سُمِّيَ ذلك العام بعام الجماعة . إذن فالتسمية بأهل السنة والجماعة دالّة على اتباع سنة معاوية والاجتماع عليه ، وليست تعني اتباع سنة رسول الله . فالأئمة من ذريته وأهل بيته أدرى وأعلم بسنة جدّهم من الطلقاء ، وأهل البيت أدرى بما فيه ، وأهل مكة أدرى بشعابها ، ولكنّنا خالفنا الأئمة الاثني عشر الذين نص عليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) واتبعنا أعداءهم . ورغم اعترافنا بالحديث الذي ذكر فيه رسول الله اثني عشر خليفة كلّهم من قريش [1] ، إلاّ أنّنا نتوقّف دائماً عند الخلفاء الأربعة .
[1] ولا يخفى أنّ الحديث لا يدل على لزوم تصدي هؤلاء الاثني عشر للحكم الظاهري ، فلا يقدح فيه عدم جريان أحكام بعض الأئمة ( عليهم السلام ) في الظاهر ، ولهذا قال ( صلى الله عليه وآله ) مشيراً إلى الحسنين : " ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا " ، فالحديث يدلّ على أنّ أمر الناس سيكون ماضياً والإسلام سيكون عزيزاً إذ وليهم اثنا عشر خليفة ، فما دام لم يليهم هؤلاء لم يكونوا أعزاء بل أصيبوا طيلة حياتهم منذ وفاة الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) إلى يومنا هذا بأنواع الفتن والمحن ، وهذا نظير قوله تعالى : ( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً ) فبما إنّهم لم يستقيموا لم يسقوا ، وبما انّ المسلمين لم يتمسّكوا بهؤلاء الاثني عشر لم يكونوا أعزّاء . ثمّ انّ هذا الحديث من المعاجز النبوية ومن الأمور الغيبية التي أخبر بها نبي الرحمة ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد أثبتها الرواة ورووها قبل اكتمال عدد الأئمة ( عليهم السلام ) فلا يحتمل فيها الوضع من قبل الشيعة ، ولا يقدح في تمسّكنا به افتراق بعض الشيعة ، فانّ الضلال له أسباب ودوافع مختلفة منها المعاندة ، قال تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ) ، فافتراق بعض الشيعة وانحرافهم عن الصراط المستقيم لا يدل على عدم صحة تمسّكنا بهذا الحديث . ثمّ إنّه لا يقال : " إنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبلغ الناس ولا يذكر الأعم وهو قوله : كُلّهم من قريش ، ويريد الأخص وهو عليّ وأولاده ، فهذا خلاف البلاغة " لأنّنا نقول : أولا : ذكر العام وإرادة الخاص يكون قبيحاً فيما إذا لم تكن هناك قرائن متصلة أو منفصلة تعيّن المراد ، وهذه القرائن بحمد الله موجودة سواء كانت متصلة أو منفصلة ، أما القرائن المتصلة فيدلّ على وجودها النظر في متن الحديث وما وقع الضجيج والغوغاء بعد تكلّم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بحيث لم يسمع الراوي تمام الحديث ولذا اضطر بالسؤال من أبيه أو عمه أو غيرهما - كما ورد في الأحاديث - فقد جاء في مسند أحمد 5 : 93 : " ثمّ تكلم بكلمة لم أفهمها وضج الناس " ، وفي لفظ الطبراني 2 : 196 : " ثمّ لغط الناس وتكلموا فلم أفهم قوله بعد كلهم " ، وفي المعجم أيضاً 2 : 249 : " ثمّ تكلم بشئ لم اسمعه فزعم القوم انّه قال : كلهم من قريش " فهذه النصوص وغيرها ، تدلّ على وجود قرائن في الكلام حاول البعض إخفائها كما فعلوا فيما بعد عند مرضه ( صلى الله عليه وآله ) من لغطهم واختلافهم . وفي لفظ كفاية الأثر للخزاز القمي ص 106 هكذا جاء : " الأئمة بعدي اثنا عشر كلهم من قريش تسعة من صلب الحسين والمهدي منهم " وهذا هو المعوّل عندنا . وأما القرائن المنفصلة فهي كثيرة منها : حديث الثقلين ، ومنها : ما ورد عن عليّ ( عليه السلام ) كما في النهج الخطبة 142 حيث قال : " إنّ الأئمة من قريش في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا يصلح الولاة من غيرهم " . ثانياً : لو فرضنا أنّ القرائن اللفظية انعدمت لكن العقل هو الحاكم هنا وهو الذي يخصص هذا العموم ، قال الآمدي في الأحكام 2 : 339 : " مذهب الجمهور من العلماء جواز تخصيص العموم بالدليل العقلي . . . ودليل ذلك قوله تعالى : ( اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَئ ) متناول بعموم لفظه لغة كلّ شئ مع انّ ذاته وصفاته أشياء حقيقية وليس خالقاً لها . . . وكذلك قوله : ( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ . . . ) فإنّ الصبي والمجنون من الناس حقيقة وهما غير مرادين من العموم بدلالة نظر العقل على امتناع تكليف من لا يفهم " . فما نحن فيه من هذا القبيل أي ننصرف عن عموم اللفظ في الحديث بدلالة نظر العقل على امتناع تولي من لا أهلية له بهذا المنصب ، لأنّ الإمامة تلو النبوة واستمرار لها ولا ينالها إلاّ من كان بمرتبة النبي وبمنزلته علماً وورعاً وشجاعة وغيرها من الصفات ، فيخرج من العموم بضرورة العقل كلّ من لم يكن بمنزلة النبي في جميع صفاته وأحواله سوى نزول الوحي ، وإن كان قرشياً ، فلا بدّ من أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من عترته ، لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً وأكرمهم عند الله ، وكان علمهم متصلا برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالوراثة واللدنية .