أولم تسمع أم المؤمنين قول النبي : " من كنت مولاه فعلي مولاه " [1] ؟ !
[1] هذا الحديث من الأحاديث المتواترة والمتسالم عليه بين الطرفين ، فهو مروي بطرق كثيرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، نشير إلى بعضها : اخرج النسائي في خصائصه : 71 - 72 عن زيد بن أرقم قوله : " لما رجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ، ثمّ قال : " كأني دعيت فأجبت ، إني تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإنّها لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض " ، ثمّ قال : " إنّ الله مولاي وأنا ولي كلّ مؤمن " . ثمّ أخذ بيد علي فقال : " من كنت وليّه فهذا وليه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه " . فقلت لزيد : سمعته من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ فقال : ما كان في الدوحات أحدٌ إلاّ رآه بعينيه وسمعه بأذنيه " . وقد أخرجه الحاكم في المستدرك 3 : 109 وقال : " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله " . وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 5 : 228 وقال : " قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي : وهذا حديث صحيح " . وعن أبي الطفيل قال : جمع علي - رضي الله تعالى عنه - الناس في الرحبة ثمّ قال لهم : أنشد الله كلّ امرئ سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام ! فقام ثلاثون من الناس - وفي رواية : فقام ناس كثير - فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس : " أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ؟ قالوا : نعم يا رسول الله . قال : " من كنت مولاه فهذا مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه " . قال : فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً ; فلقيت زيد بن أرقم فقلت له : إنّي سمعت عليّاً ( رضي الله عنه ) يقول : كذا وكذا ؟ قال : فما تنكر ، قد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول ذلك " أخرجه أحمد في المسند 4 : 370 ، والنسائي في خصائص الإمام علي : 72 ، وابن حبان في صحيحه 15 : 376 ، والهيثمي في موارد الضمآن : 544 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 104 وقال عنه : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة " ، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4 : 331 ح 1750 وقال عنه : " وإسناده صحيح على شرط البخاري " . وعن رباح بن الحارث قال : " جاء رهط إلى علي بالرحّبة ، فقالوا : السّلام عليك يا مولانا ! قال : كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرباً ؟ ! قالوا : سمعنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم غدير خم يقول : " من كنت مولاه فإنّ هذا مولاه " . قال رباح : فلمّا مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء ؟ قالوا : نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري " أخرجه أحمد في المسند 5 : 419 ، والطبراني في المعجم الكبير 4 : 174 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 : 104 وقال عنه : " رواه أحمد والطبراني . . ورجال أحمد ثقات " ، والشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4 : 340 وقال عنه : " وهذا إسناد جيد ، رجاله ثقات " . وفي وقعة صفين للحافظ إبراهيم بن ديزل : 165 قال : " حدثنا يحيى بن سليمان الحيفي ، قال : حدثنا ابن فضيل ، قال : حدثنا الحسن بن الحكم النخعي ، عن رباح بن الحارث النخعي ، قال : كنت جالساً عند علي ( عليه السلام ) إذ قدم عليه قوم متلثمون فقالوا : السلام عليك يا مولانا ! فقال لهم : أولستم قوماً عرباً ؟ ! قالوا : بلى ولكنا سمعنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول يوم غدير خم : " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله " . قال : فلقد رأيت علياً ( عليه السلام ) ضحك حتّى بدت نواجذه ، ثمّ قال : اشهدوا . ثمّ إنّ القوم مضوا إلى رحالهم ، فتبعتهم فقلت لرجل منهم : من القوم ؟ قالوا : نحن رهط من الأنصار ، وذاك - يعنون رجلاً منهم - أبو أيوب صاحب منزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . قال : فأتيته فصافحته " . وهذه الرواية سندها صحيح لوثاقة جميع رجال سندها . وقد نقل الخبر ابن أبي الحديد في شرح النهج 3 : 208 ، فراجع . قال شمس الدين الجزري في أسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب : 48 : " هذا حديث حسن من هذا الوجه ، صحيح من وجوه كثيرة ، تواتر عن أمير المؤمنين علي ، وهو متواتر أيضاً عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، رواه الجم الغفير عن الجم الغفير ، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم . . " . وقال الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4 : 343 ح 1750 بعد تصحيحه للحديث : " وجملة القول : إنّ حديث الترجمة صحيح بشطريه - يعني من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه - ، بل الأول منه متواتر عنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه ، وما ذكرت منها كفاية " إلى أن يقول : " إذا عرفت هذا فقد كان الواقع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته أنّني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعّف الشطر الأوّل من الحديث ، وأمّا الشطر الآخر فزعم أنّه كذب ، وهذا من مبالغاته الناتجة - في تقديري - من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها " . وقال الشيخ السلفي الداني بن منير آل زهوي في تحقيقه لخصائص النسائي : 78 : " فحديث الموالاة حديث صحيح ثابت ، بل هو متواتر كما قال الألباني في الصحيحة ( 4 / 343 ) . أمّا قول ابن تيمية في المنهاج ( 4 / 104 ) : " أنّه كذب مخالف للقواعد الحديثية " فهو مردود عليه . . أقول : من تتبع طرق هذا الحديث علم أنّها صحيحة كالشمس في أغلبها ، ومنها الحسن ، والضعيف فيها قليل ، والحديث صحيح لا شكّ في ذلك كما مرّ " .