فأين هذا الورع والتقوى من هذه الحقائق المرة المؤلمة يا عباد الله الصالحين ؟ وإنّما أخذت هذا الصحابي الكبير الشهير كمثل ، واختصرت كثيراً لعدم الإطالة ، ولو شئت الدخول في التفاصيل لملأت كتباً عديدة ، ولكن كما قلت : إنّما أذكر هذه الموارد على سبيل المثال لا الحصر . والذي ذكرته هو نزر يسير يعطينا دلالة واضحة على نفسيات الصحابة ، وموقف العلماء من أهل السنّة المتناقض ، فبينما يمنعون على الناس نقدهم والشك فيهم ، يروون في كتبهم ما يبعث على الشكّ والطعن فيهم ، وليت علماء السنّة والجماعة لم يذكروا مثل هذه الأشياء الصريحة التي تمسّ كرامة الصحابة وتخدش في عدالتهم ، إذن لأراحونا من عناء الارتباك . وإنّي أتذكّر لقائي مع أحد علماء النجف الأشرف - وهو أسد حيدر مؤلف كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة - وكنّا نتحدث عن السنّة والشيعة ، فروى لي قصّة والده الذي التقى في الحجّ عالماً تونسياً من علماء الزيتونة ، وذلك منذ خمسين عاماً ، ودار بينهما نقاش في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب . فكان العالم التونسي يستمع إلى والدي ، وهو يعدّد الأدلّة على إمامته ( عليه السلام ) وأحقّيته في الخلافة ، فأحصى أربعة أو خمسة أدلة ، ولمّا انتهى سأله العالم الزيتوني هل لديك غير هذا ؟ قال : لا . فقال التونسي : أخرج مسبحتك وابدأ في العدّ ، وأخذ يذكر الأدلّة حتّى عدّد له مائة دليل لا يعرفها والدي ، وأضاف الشيخ أسد حيدر : لو يقرأ أهل السنّة والجماعة ما في كتبهم ، لقالوا مثل مقالتنا ، ولإنتهى الخلاف بيننا من زمان بعيد . ولعمري إنّه الحقّ الذي لا مفرّ منه ، لو يتحرّر الإنسان من تعصّبه الأعمى وكبريائه ، وينصاع للدّليل الواضح .