وسافرت إلى العاصمة ومنها اشتريت صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، ومسند الإمام أحمد ، وصحيح الترمذي ، وموطأ الإمام مالك وغيرها من الكتب الأخرى المشهورة ، ولم أنتظر الرجوع إلى البيت ، فكنت طوال الطريق بين تونس وقفصة - وأنا راكب في حافلة النّقل العمومية - أتصفّح كتاب البخاري ، وأبحث عن رزية يوم الخميس متمنّياً أن لا أعثر عليها ، ورغم أنفي وجدتها وقرأتها مرّات عديدة ، فكانت كما نقلها السيد شرف الدين . وحاولت تكذيب الحادثة برمّتها ، واستبعدت أن يقوم سيدنا عمر بذلك الدّور الخطير ، ولكن أنّى لي تكذيب ما ورد في صحاحنا ، وهي صحاح أهل السنّة والجماعة التي ألزمنا بها أنفسنا وشهدنا بصحّتها ، والشكّ فيها أو تكذيب بعضها يستلزم طرحها ، لأنّه هو الآخر يستلزم طرح كُلّ معتقداتنا . ولو كان العالم الشيعي ينقل من كتبهم ما كنت لأصدّق أبداً ، وأمّا أن ينقل من صحاح أهل السنّة التي لا مجال للطعن فيها ، وقد أخذنا على أنفسنا بأنّها أصَحّ الكتب بعد كتاب الله ، فيصبح الأمر ملزماً وإلاّ استلزم الشكّ في هذه الصحّاح ، وعند ذلك لا يبقى معنا من أحكام الإسلام شيء نعتمده ، لأنّ الأحكام التي وردت في كتاب الله جاءت مجملة غير مفصّلة ، ولأنّنا بعيدون عن عصر الرسالة ، وقد ورثنا أحكام ديننا أباً عن جدّ عن طريق هذه الصحّاح ، فلا يمكن بحال من الأحوال طرح هذه الكتب . وأخذت على نفسي عهداً ، وأنا أدخل هذا البحث الطويل العسير ، أن أعتمد الأحاديث الصحيحة التي اتّفق عليها السنّة والشيعة ، وأن أطرح الأحاديث التي انفرد بها فريق دون الآخر ، وبهذه الطريقة المعتدلة أكون قد ابتعدت عن المؤثرات العاطفية ، والتعصّبات المذهبية ، والنزعات القومية أو الوطنية ، وفي الوقت نفسه أقطع طريق الشكّ لأصل إلى حبل اليقين ، وهو صراط الله المستقيم .