responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ثم اهتديت ( محققة ) نویسنده : الدكتور محمد التيجاني    جلد : 1  صفحه : 379


السّلام على كُلّ من يسلّم عليه ، بل وإنّ مشايخ الطرق الصوفية يعتقدون جزماً بأنّ شيخهم أحمد التيجاني أو عبد القادر الجيلاني ، يأتون إليهم جهاراً ويقظة لا مناماً ، فلماذا نشحُّ على رسول الله بمثل هذه المكرمة ، وهو أفضل الخلق على الاطلاق .
ولكن يخفّف على نفسي أنّ المسلّمين لا يشحّون بذلك على رسول الله إلاّ الوهابية الذين بدأت أنفر منهم لهذا ولعدة أسباب أخرى ، منها الغلظة التي شاهدتها فيهم ، والشدّة على المؤمنين الذين يخالفونهم في معتقداتهم .
زرت البقيع وكنت واقفاً أترحّم على أرواح أهل البيت ، وكان بالقرب منّي شيخ طاعن في السنّ يبكي ، وعرفت من بكائه أنّه شيعي ، واستقبل القبلة وبدأ يصلّي وإذا بالجندي يأتي إليه بسرعة وكأنّه كان يراقب تحرّكاته وركله بحذائه ركلة وهو في حالة سجود ، فقلبه على ظهره وبقي المسكين فاقد الوعي بضع دقائق ، وانهال عليه الجندي ضرباً وسبّاً وشتماً ، ورقّ قلبي لذلك الشيخ وظننت أنّه مات ، ودفعني فضولي وأخذتني الحميّة وقلت للجندي : حرام عليك لماذا تضربه وهو يصلّي ؟ فانتهرني قائلا : أسكت أنت ولا تتدخّل حتّى لا أصنع بك مثله [1] .



[1] يعرف المذهب الوهابي بالانتماء إلى المذهب الحنبلي ، وهذا المذهب معروف بالشدّة والغلظة والتسرع في تكفير المسلمين واتهامهم بالخروج عن الدين ، لأمور أسسوها وعقائد اخترعوها وعلى ضوئها يطلقون الأحكام على المسلمين ، وهم أكثر الناس تسرعاً في تكفير المسلمين والحكم بخروجهم عن الدين ، ومن شاء فليرجع إلى كتبهم ليرى ذلك بوضوح ككتاب ( السنة ) لعبد الله ابن احمد بن حنبل ، وكتابه ( السنة ) لأبيه أحمد بن حنبل ، وكتاب ( السنة ) لابن أبي عاصم ، وكتاب ( الشريعة ) للآجري ، وكتاب ( السنة ) للبربهاري ، و ( شرح اعتقاد أهل السنة ) لللالكائي والتوحيد لابن خزيمة وغيرها من الكتب العقدية التي ذكرت على ضوء منهج مذهب أحمد بن حنبل ، ثُمّ جاء بعده ابن تيمية الحراني وابن كثير وأخيراً طور الدعوة محمّد بن عبد الوهاب وأوصلها إلى الذروة التي وصلت لها الآن ، ونذكر للقارئ بعض العناوين التي يذكرونها في حق خصومهم : 1 - يقولون بضلالة أكثر الأُمة وانحرافها عن الحقّ : قال الآجري في كتابه الشريعة 1 : 323 : " من تصفح أمر هذه الأُمة من عالم عاقل علم أنّ أكثرهم تجري أمورهم على سنن أهل الكتابين كما قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وعلى سنن كسرى وقيصر ، وعلى سنن أهل الجاهلية ، وذلك مثل السلطنة وأحكام العمال والأمراء وغيرهم ، وأمر المصائب والأفراح ، والمساكن واللباس والحلية والأكل والشرب . . . وأشياء لما ذكرت يطول شرحها تجري بينهم على خلاف الكتاب والسنة ، وأنّما يجري بينهم على سنن من قبلنا . . " . 2 - تكفير من يؤمن بأنّ القرآن مخلوق وتكفير من لم يكفره : قال أحمد بن حنبل في كتاب العقيدة : 79 : " والقرآن كلام الله تكلم به ، ليس بمخلوق ، ومن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر ، ومن زعم أنّ القرآن كلام الله ووقف ولم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من قول الأوّل ، ومن زعم أنّ الفاظنا به وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله فهو جهمي ، ومن لم يكفّر هؤلاء القوم كُلّهم فهو مثلهم " . وقال في : 124 : " والدار إذا ظهر فيها القول بخلق القرآن والقدر وما يجري مجرى ذلك فهي دار كفر " . وتكفير من قال بخلق القرآن ارجع إليه في المصادر التالية كتاب الاعتقاد للبيهقي : 303 ، كتاب السنة للبربهاري : 329 ، نونية ابن القيّم الجوزية 1 : 121 بشرح محمّد خليل هراس ، واللالكائي في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1 : 275 . 3 - السنة واتباعها يدور مدارها على حبّ الأشخاص : قال اللالكائي في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1 : 69 : " 38 - أخبرنا علي ابن محمّد بن عمر ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، ثنا محمّد بن مسلم ، ثنا حماد بن زاذان قال : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : إذا رأيت بصرياً يحب حماد بن زيد فهو صاحب سنة " . وقال كذلك 1 : 74 : " 58 - سمعت أحمد بن عبد الرحمن بن يونس يقول : امتحن أهل الموصل بمعافي بن عمران فإنّ أحبوه فهم أهل سنة ، وإن أبغضوه فهم أهل بدعة . . " وكذلك ارجع إلى كتاب السنة للبربهاري : 111 . 4 - الكتب التي يؤلفونها حقّ كُلّها ومن خالفها أو خالف بعضاً منها فهو مبتدع ضال : قال الحسن البربهاري في كتابه شرح السنة : 100 مكفراً كلّ من يخالف حرفاً واحداً من كتابه : " فرحم الله عبدا ورحم والديه قرأ هذا الكتاب وبثه وعمل به ، ودعا إليه واحتج به ، فإنّه دين الله ودين رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإنّه من استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب فإنّه ليس يدين لله بدين ، وقد رده كله ، كما لو أنّ عبداً آمن بجميع ما قاله الله تبارك وتعالى إلاّ أنه شكّ في حرف فقد رد جميع ما قال الله تعالى ، وهو كافر " . وكذلك في كتاب عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني : 449 ، وكتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي 4 : 7 ، وكتاب التوحيد لابن خزيمة : 4 . 5 - فاسق أهل السنة وفاجرها أفضل من عبّاد المبتدعة : قال الحسن البربهاري الحنبلي في كتابه شرح السنة : 114 : " وإذا رأيت الرجل من أهل السنة ردي الطريقة والمذهب ، فاسقاً فاجراً صاحب معاصي ضالاً وهو على السنة فأصحبه ، واجلس معه ، فإنّه ليس يضرك معصيته . وإذا رأيت الرجل مجتهداً في العبادة متقشفاً محترفاً بالعبادة ، صاحب هوىً فلا تجالسه ولا تقعد معه ، ولا تسمع كلامه ولا تمش معه في طريقه ، فإنّي لا آمن إن تستحلي طريقته فتهلك " ، وكذلك البيهقي في كتاب الاعتقاد : 364 . ومقصودهم من السنة هو التمّسك بالعقائد التي أصطنعوها باجتهاداتهم وآرائهم حتّى لو لم يرد بها نصّ عن الله أو الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كالقول بعدم خلق القرآن وتكفير القائل بالخلق وتكفير من لم يكفره ، وحبّ الاشخاص كأحمد ابن حنبل وغيره ، والإيمان بكُلّ كلمة يقولونها . . وغير ذلك . فهذا ما يعتقدون بأنّه سنّة والمعتقد به حتّى لو فعل كُلّ شيء فهو صاحب سنة ، ومن لم يعتقد به فلو أطاع الله في كلّ شيء لمّا نفعه ذلك . 6 - صاحب البدعة ليس له توبة حتّى لو رجع عن بدعته ، بخلاف العاصي من أهل السنة والمصر على العصبية إلى الموت فيرجى له العفو : قال اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1 : 159 : " عن عطاء الخراساني قال : ما يكاد الله أن يأذن لصاحب بدعة بتوبة . وعن معاوية بن صالح قال : إنّ الحسن بن أبي الحسن قال : أبى الله تبارك وتعالى أن يأذن لصاحب هوى بتوبة " ، بينما قال في : 182 عند نقله لعقيدة إمامه أحمد بن حنبل قال : " ومن لقي الله بذنب يجب له به النار تائباً غير مصر عليه فإنّ الله عزّ وجلّ يتوب عليه . . ومن لقيه مصّراً غير تائب من الذنوب التي استوجبت العقوبة فأمره إلى الله عزّ وجلّ إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " . 7 - من أعاد الصلاة خلف الحاكم الجائر فهو مبتدع ، ومن خرج على الحاكم الجائر فميتته ميتة جاهلية : قال اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 1 : 188 عند نقله لعقيدة علي ابن المديني التي لم يقل أحدٌ بخصلة منها فهو ليس من أهل السنة : " ثمّ السمع والطاعة للأئمة وأمراء المؤمنين ، البرّ والفاجر ومن ولي الخلافة باجماع الناس ورضاهم ، لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ليلة إلاّ عليه إمام براً كان أو فاجراً فهو أمير المؤمنين . وصلاة الجمعة خلفه وخلف من ولاّه جائزة قائمة ركعتان من أعادهما فهو مبتدع تارك للايمان مخالف وليس له من فضل الجمعة شيء إذا لم ير الجمعة خلف الأئمة من كانوا برّهم وفاجرهم ، والسنة أن يصلّوا خلفهم لا يكون في صدره حرج من ذلك . ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد اجمع عليه الناس فأقروا له بالخلافة بأيّ وجه كان برضاً كانت أو بغلبة فهو شاق هذا الخارج عليه العصا وخالف الآثار عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فإنّ مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية . ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس فمن عمل ذلك فهو مبتدع على غير السنة " . 8 - موقفهم من أبي حنيفة النعمان : قال اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2 : 365 : " حدثنا سفيان الثوري قال : قال لي حماد بن أبي سليمان : أبلغ عنّي أبا حنيفة المشرك أني بريء منه حتّى يرجع عن قوله في القرآن " . وساق عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة الأوصاف التي وصموا بها أبا حنيفة فقال : " كافر ، زنديق ، مات جهمّياً ، ينقض الإسلام عروة عروة ، ما ولد في الإسلام أشأم ولا أضر على الأمة منه ، وانّه يكيد الدين ، وأنّ أبا حنيفة أكبه الله في النار ، وأنّ أبا حنيفة من المرجئة ، وأنّ أبا حنيفة أوّل من قال بخلق القرآن ، وانه يترك الحديث إلى الرأي ، ولو وزع خطأه على الأمة لوسعهم ، وأنّ أبا حنيفة وأصحابه شرّ الطوائف جميعاً ، وأنّه استتيب من الكفر مرتين ، واستتيب من كلام الزنادقة مراراً وأنّه كان فاسداً ، وأنّ كثيراً من العلماء جوّز لعنه " كتاب السنة : 184 - 210 . 9 - التجسيم والتشبيه الذي يؤمنون به : في كتاب الصفات للحسن بن علي بن إبراهيم الحنبلي وأورد فيه حديث عرق الخيل والذي هو : " إن الله لمّا أراد أن يخلق نفسه خلق الخيل فأجراها حتّى عرقت ثُمّ خلق نفسه من ذلك العرق " سير أعلام النبلاء 21 : 160 . وفي طبقات الحنابلة 1 : 218 : " روى عبد الصمد بن يحيى الحنبلي قال : قال لي شاذان : اذهب إلى أبي عبد الله - احمد بن حنبل - فقل : ترى لي أن أحدّث بحديث قتادة عن عكرمة عن ابن عبّاس قال : ( رأيت ربي عزّ وجلّ في صورة شاب ) ؟ قال : فأتيت أبا عبد الله فقلت له ؟ فقال لي : قل له : تحدّث به ، قد حدّث به العلماء " وغير ذلك من التشبه والتجسيم المنتشر في كتبهم ككون الله يجلس على العرش ويأط به أطيط الرحل ، وأنّ الله شاب أمرد جعد قطط عليه جبّة حمراء ، وأنّ الله محدود بحد . . وغير ذلك تجدها منتشرة في كتبهم كطبقات الحنابلة ، والسنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل ، والسنة للبربهاري وغيرها من الكتب . 10 - الألفاظ التي يطلقونها في خصومهم : 1 - وصف لمن ينكر قولهم بالالحاد ، ارجع إلى كتاب القول المبين في اثبات الصورة لربِّ العالمين : 33 ، 35 ، 40 ، 41 ، 42 ، 44 ، 47 ، 51 . 2 - أنّهم أضلّ من البهائم . المصدر السابق : 10 . 3 - انه يجب قتلهم وتطهير البلاد منهم المصدر السابق : 16 . 4 - والسبِّ واللعن لمن يخالفهم . كتاب التوحيد لابن خزيمة : 22 ، 26 ، 84 . 5 - أنّهم أشبه الناس باليهود والنصارى . المصدر السابق : 101 . قال ابن الجوزي واصفاً الحالة التي وصلت بالحنابلة : " ورأيت من أصحابنا من تكلم في الأُصول بما لا يصّح ، وانتدب للتصنيف ثلاثة : أبو عبد الله بن حامد ، وصاحبه القاضي أبو يعلى وابن الزاغوني ، فصنفوا كتباً شانوا بها المذهب ، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام فحملوا الصفات على مقتضى الحسن ، فسمعوا أن الله سبحانه وتعالى خلق آدم عليه الصلاة والسّلام على صورته فأثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات ، وعينين ، وفماً ، ولهوات ، وأضراساً وأضواء لوجهه هي السبحات ، ويدين وأصابع ، وكفّاً وخنصراً ، وابهاماً وصدراً ، وفخذاً وساقين ورجلين ، وقالوا : ما سمعنا بذكر الرأس ! ! وقالوا : يجوز إن يَمس ويُمس ، ويدني العبد من ذاته ، وقال بعضهم : ويتنفس ! ثمّ إنّهم يرضون العوام بقولهم : لا كما يعقل . وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات يسمّوها بالصفات ، تسمّية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل ، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ، ولا إلى الغاء ما توجبه الظواهر من سمات الحدث ، ولم يقنعوا بان يقولوا : صفة فعل حتّى قالوا : صفة ذات . ثمّ لمّا أثبتوا أنّها صفات قالوا : لا نحملها على توجيه اللغة مثل يد على نعمة وقدرة ، ولا مجيء واتيان على بر ولطف ، ولا ساق على شدّة ، بل قالوا : نحملها على ظواهرها المتعارفة والظاهر هو المعهود من نعوت الآدميين ، والشيء إنّما يحمل على حقيقة إذا أمكن ، فإنّ صرف صارف حمل على المجاز ، ثُمّ يتحرجون من التشبيه ويأنفون من اضافته إليهم ويقولون : نحن أهل السنة وكلامهم صريح في التشبيه . وقد تبعهم خلق من العوام ، وقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم : يا أصحابنا ، أنتم أصحاب نقل واتباع ، وأما حكم الأكبر أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يقول وهو تحت السياط : كيف أقول ما لم يقل ، فإيّاكم إن تبتدعوا في مذهبه ما ليس منه ، ثُمّ قلتم في الأحاديث تحمل على ظاهرها ، فظاهر القدم الجارحة ، فإنه لما قيل في عيسى عليه الصلاة والسّلام روح الله اعتقدت النصارى لعنهم الله تعالى أنّ لله سبحانه وتعالى صفة هي روح ولجت في مريم . ومن قال استوى بذاته المقدّسة فقد آجراه سبحانه وتعالى مجرى الحسيات . وينبغي أن لا يهمل ما يثبت به الأصل وهو العقل فأنا به عرفنا الله تعالى وحكمنا له بالقدم ، فلو أنّكم قلتم نقرأ الأحاديث ونسكت لما أنكر أحد عليهم ، إنّما حملكم إيّاها على الظاهر قبيح . فلا تدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس منه ، فلقد كسبتم هذا المذهب شيئاً قبيحاً ، حتّى صار لا يقال عن حنبلي إلاّ مجسم ، ثمّ زينتم مذهبكم أيضاً بالعصبية ليزيد بن معاوية وقد علمتم انّ صاحب المذهب أجاز لعنته . وقد كان أبو محمّد التميمي يقول في بعض أئمتكم : لقد شان المذهب شيئاً قبيحاً لا يغسل إلى يوم القيامة " دفع شبهة التشبيه - : 6 - 9 تحقيق العلامة محمّد زاهد الكوثري . وقال الشيخ يوسف القرضاوي واصفاً لهم : " وقد عرفنا في عصرنا أناساً يجهدون أنفسهم ويجهدون الناس معهم ، ظانين أنّهم قادرون على أن يصّبوا الناس في قالب واحد ، يصنعونه هم لهم ، وأن يجتمع الناس على رأي واحد ، يمشون فيه وراءهم وفق ما فهموه من النصوص الشرعية ، وبذلك تنقرض المذاهب ، ويرتفع الخلاف ، ويلتقي الجميع على كلمة سواء . ونسي هؤلاء أن فهمهم للنصوص ليس أكثر من رأي يحتمل الخطأ كما يحتمل الصواب ، إذ لم تضمن العصمة لعالم فيما ذهب إليه ، وإن جمع شروط الاجتهاد كُلّها ، كلّ ما ضمن له هو الأجر على اجتهاده أصاب أم أخطأ . ولا تحسبن أنّي أنكر عليهم دعوتهم إلى اتباع النصوص أو اجتهادهم في فهمها فهذا من حق كلّ مسلم استوفى شروط الاجتهاد وأدواته . ولا يملك أحد أن يغلق باباً فتحه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للأُمة ، إنّما أنكر عليهم تطاولهم على مناهج علماء الأمة ، واحتقارهم الفقه الموروث ، ودعاواهم العريضة في أنّهم وحدهم على الحقّ ، وما عداهم على خطأ أو ضلال ، وتوهمهم أنّ باستطاعتهم إزالة الخلاف وجمع الناس قاطبة على قول واحد هو قولهم . قال لي واحد من طلبة العلم المخلصين من تلاميذ هذه المدرسة ، مدرسة الرأي الواحد : ولم لا يلتقي الجميع على الرأي الذي معه النصّ ؟ قلت : لا بّد أن يكون النصّ صحيحاً مسلماً به عند الجميع ، ولا بدّ من أن يكون صريح الدلالة على المعنى المراد ، ولا بدّ أن يسلم من معارض مثله أو أقوى منه من نصوص الشريعة الجزئية أو قواعدها الكلّية ، فقد يكون النصّ صحيحاً عند إمام ضعيف عند غيره ، وقد يصح عنده ولكن لا يسلم بدلالته على المراد ، فقد يكون عند هذا عاماً وعند غيره خاصّاً ، وقد يكون عند إمام مطلقاً وعند آخر مقيّداً ، وقد يراه هذا دليلاً على الوجوب أو الحرمة ، ويراه ذلك على الاستحباب أو الكراهة ، وقد يعتبره بعضهم محكماً ويراه غيره منسوخاً إلى غير ذلك من الاعتبارات . . " كتاب الصحوة الإسلامية : 163 . وقد لاحظنا طرفاً من المنهاج الذي يسيرون عليه والعقائد التي يؤمنون بها ، سواء استفادوها خطأ من النصّ أو قالوا بها من عندياتهم ، وعلى ضوئها كفرّوا بقيّة المسلمين وحكموا عليهم بالبدعة والضلال وممّارسة أنواع الشرك المنهي عنه . . وكيف أنّ العلماء رفضوا هذه الفرقة من أصلها وأصولها وواجهوها بالردود عليها وبيان الحقّ من العقائد والشرع ، وبيّنوا أنّ الإسلام سمح سهل يسير ليس بالشدّة التي أظهروها وأنّه لا يسارع في تكفير المسلمين ، وإنما يبقى المسلم على اسلامه إلى أن يظهر منه صريح الكفر غير القابل للتأويل عند ذلك يكون له حكم آخر . . أما لم يصدر منه ذلك أو صدر منه فعلٌ له وجه من مطابقة الشريعة أو كان فيه متأولاً أو مجتهداً فلا يحكم عليه بالكفرّ بل يبقى مرتكبه على إسلامه .

379

نام کتاب : ثم اهتديت ( محققة ) نویسنده : الدكتور محمد التيجاني    جلد : 1  صفحه : 379
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست