responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ثم اهتديت ( محققة ) نویسنده : الدكتور محمد التيجاني    جلد : 1  صفحه : 345


نسمّيها عادات وتقاليد بدون ذكر أيّ تفسير لها ، ويروي علماؤنا في ذلك أحاديث عن فضائل يوم عاشوراء وما فيه من بركات ورحمات . . إنّه أمر عجيب !
زرنا بعد ذلك ضريح العبّاس أخي الحسين ، ولم أكن أعرف من هو ، وقد روى لي صديقي قصة بطولته وشجاعته ، كما التقينا بالعديد من العلماء الأفاضل الذين لا أتذكر أسماءهم بالتفصيل سوى بعض الألقاب ، كبحر العلوم ، والسيد الحكيم ، وكاشف الغطاء ، وآل ياسين ، والطباطبائي ، والفيروزآبادي ، وأسد حيدر ، وغيرهم ممن تشرّفت بمقابلتهم .
والحقّ يقال إنّهم علماء أتقياء ، تعلوهم هيبة ووقار ، والشيعة يحترمونهم كثيراً ، ويؤدّون إليهم خمس أموالهم ، والتي بها يديرون شؤون الحوزات العلمية ، ويؤسّسون المدارس والمطابع ، وينفقون على طلاّب العلم الوافدين من كُلّ البلاد الإسلامية .
إنّهم مستقلّون ولا يرتبطون بالحكّام من قريب أو من بعيد ، كما هو شأن علمائنا الذين لا يفتون ولا يتكلمون إلاّ برأي السلطة التي تضمن معاشهم ، وتعزل من تشاء منهم وتنصب من تشاء [1] .



[1] فقهاء المذهب السنيّ في عصرنا الحاضر يتبعون الحكام ولا يخرجون عن إرادتهم إلاّ في الأمور المرتبطة بالطهارة والنجاسة ، بل حتّى هذه لو أراد الحاكم التدخل فيها لرضخ له حكام علماء السنّة ، إلاّ القليل النادر الذي لا يسير برأي الحاكم ولا يوافق هواه ، وهذه تجده إما سجيناً أو طريداً أو معلقاً على خشبة بتهمة الخيانة والاتباع لدولة أُخرى . وهذا الأمر لا يحتاج إلى بيان أو شرح حال فكُلّ شخص يستطيع أنّ ينظر إلى فقهاء دولته لير ذلك واضحاً أمام عينيه . وهذه التبعية جاءت نتيجة التطويع الذي عاشوه في الأزمان الغابرة ، ففي الماضي كان الفقيه لا ينصّب إلاّ بمرسوم من الوالي ويكون فقيهاً للأمة ، وإن كان هو في الحقيقة فقيه للسلطة وحتّى في زمننا الحاضر فإنّ المشيخة بيد الدولة ، وهي أمر موروث من الزمن الغابر . ولنأخذ صفحات التاريخ ونتركها تكلمنا عن حال الفقهاء في الزمن الماضي : فهذا مالك بن أنس فقد بعث إليه المنصور قائلاً : " إنّ الناس قد اختلفوا بالعراق ، فضع كتاباً نجمعهم عليه ، فوضع الموطأ " سير أعلام النبلاء 8 : 111 ، تاريخ الاسلام 11 : 322 . وفي تذكرة الحفاظ للذهبي 1 : 209 : " حدثنا أبو مصعب : سمعت مالكاً يقول : دخلت على أبي جعفر أمير المؤمنين ، وهو على فراشه ، وإذا صبي يخرج ثُمّ يرجع ، فقال لي : أتدري من هذا ؟ فقلت : لا . قال : ابني ، وإنّما يفزع من هيبتك . قال : ثُمّ سألني عن أشياء منها حلال ومنها حرام ، ثُمّ قال لي : أنت والله يا أمير المؤمنين . قال : بلى ، ولكنك تكتم ، لئن بقيت لأكتبنّ قولك كما تكتب المصاحف ، ولأبعثنّ به إلى الآفاق ، فاحملهم عليه " . وفي تاريخ بغداد 3 : 100 : " كان ولي عبد الصمد على المدينة . قال : فعاقب بعض القرشيين وحبسه حبساً ضيقاً . قال : وكتب بعض قرابته إلى أبي جعفر ، فشكى ذلك إليه وأخبره ، فكتب أبو جعفر إلى المدينة وأرسل رسولاً وقال : اذهب فانظر قوماً من العلماء فأدخلهم عليه حتّى يروا حاله ، وتكتبوا إليّ بها ، فأدخلوا عليه في حبسه مالك بن أنس ، وابن أبي ذئب ، وابن أبي سبرة ، وغيرهم من العلماء . فقال : اكتبوا بما ترون إلى أمير المؤمنين . قال : وكان عبد الصمّد لمّا بلغه الخبر حلّ عنه الوثاق وألبسه ثياباً ، وكسى البيت الذي كان فيه ورشه ، ثُمّ أدخلهم عليه ، فقال لهم الرسول : اكتبوا بما رأيتم ، فأخذوا يكتبون : يشهد فلان ، وفلان ، فقال ابن أبي ذئب : لا تكتب شهادتي ، أنا اكتب شهادتي بيدي ، إذا فرغت فارم إلي بالقرطاس . فكتبوا : رأيت محبساً ليناً ، ورأينا هيئة حسنة ، وذكروا ما يشبه هذا الكلام قال : ثُمّ دفع القرطاس إلى ابن أبي ذئب ، فلمّا نظر في الكتاب فرأى هذا الموضع قال : يا مالك ، داهنت وفعلت وفعلت وملت إلى الهوى ! لكن اكتب : رأيت محبساً ضيقاً ، وأمراً شديداً . . " . فهذا الإمام مالك صاحب الموطأ يكتبه لأبي جعفر المنصور ويعممه على كافة الناس ومن ثُمّ يداهنه في أمر المساجين والمحبوسين ظلماً في سجنه . ولنأخذ فقيهاً آخر وهو أبو يوسف صاحب أبي حنيفة ، حيث تقرب من حكام بني العبّاس من أيّام المهدى العبّاسي إلى الهادي ، ولمّا ولي الرشيد تقرب إليه أكثر وذلك بتحليل الحرام له ، يحدثنا ابن خلكان في وفيات الأعيان 6 : 381 : " كان سبب اتصال أبي يوسف بالرشيد أنّه كان قدم بغداد بعد موت أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى ، فحنث بعض القواد في يمين ، فطلب فقيهاً يستفتيه ، فجيء بأبي يوسف ، فأفتاه أنّه لم يحنث ، فوهب له دنانير ، وأخذ له داراً بالقرب منه . ودخل القائد يوماً على الرشيد فوجده مغمّوماً ، فسأله عن سبب غمه ، فقال : شيء من أمر الدين قد حزنني فاطلب فقيهاً كي استفتيه ، فجاءه بأبي يوسف . قال أبو يوسف : فلمّا دخلت إلى ممّر بين الدور رأيت فتىً حسناً ، عليه أثر الملك ، وهو في حجرة محبوس ، فأومأ إليّ بأصبعه مستغيثاً ، فلم أفهم منه إرادته ، وأُدخلت إلى الرشيد ، فلمّا مثلت بين يديه سلمت ووقفت ، فقال لي : ما اسمك ؟ فقلت : يعقوب أصلح اللّه أمير المؤمنين . قال : ما تقول في إمام شاهد رجلاً يزني هل يحدّه ؟ قلت : لا . فحين قلتها سجد الرشيد ، فوقع لي أنّه قد رأى بعض أهله على ذلك ، وأنّ الذي أشار إليّ بالاستغاثة هو الزاني . ثُمّ قال الرشيد : من أين قلت هذا ؟ قلت : لأنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) قال : " ادروا الحدود بالشبهات " ، وهذه شبهة يسقط الحدّ معها . قال : وأي شبهة مع المعاينة ؟ قلت : ليس توجب المعاينة لذلك أكثر من العلم بما جرى ، والحدود لا تكون بالعلم ، وليس لأحد أخذ حقه بعلمه فسجد مرّة أخرى ، وأمر لي بمال جزيل ، وأنّ الزم الدار ، فما خرجت حتّى جاءتني هدية الفتى وهدية أمه وجماعته ، وصار ذلك أصلاً للنعّمة ، ولزمت الدار ، فكان هذا الخادم يستفتيني ، وهذا يشاورني ، ولم يزل حالي يقوى عند الرشيد حتّى قلّدني القضاء " . فأبو يوسف عطل العلم عن العمل ، فالعلم لا قيّمة له ، لأجل أنّ الحاكم رغب في ذلك ؟ ! ! فانظر إلى تحريفه لشرع الله سبحانه وتعالى لأجل نزوة ، ويطبق الحديث النبوي الشريف على أمر باطل يعلم في نفسه أنّه باطل ، لكنه يمضي في ذلك لأجل حطام الدنيا والأموال الزائلة . ونستمر مع حكايات أبي يوسف مع خليفته في تحليله للحرام في القصّة التالية التي يذكرها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 14 : 253 وابن خلكان في وفيات الأعيان 6 : 385 واللفظ للأوّل فيقول : " حدّثني بشر بن الوليد وسألته من أين جاء ؟ قال : كنت عند أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي ، وكنّا في حديث ظريف ، قال : فقلت له : حدّثني به ! فقال : قال لي يعقوب : بينا أنا البارحة قد أويت إلى فراشي ، وإذا داق يدق الباب دقاً شديداً ، فأخذت علي إزاري وخرجت ، فإذا هو هرثمة بن أعين ، فسلمت عليه فقال : أجب أمير المؤمنين ، فقلت : يا أبا حاتم ، لي بك حرمة ، وهذا وقت كما ترى ، ولست آمن أنّ يكون أمير المؤمنين دعاني لأمر من هذه الأمور ، فإن أمكنك أنّ تدفع بذلك إلي غد ، فلعله أنّ يحدث له رأي ؟ ! فقال : ما إلى ذلك سبيل ! قلت : كيف كان السبب ؟ قال : خرج إليّ مسرور الخادم فأمرني أنّ آتي بك أمير المؤمنين ، فقلت : تأذن لي أنّ أصبّ الماء وأتحنط ، فإن كان أمر من هذه الأمور كنت قد أحكمت شأني ، وإنّ رزق الله العافيّة فلن يضرّ ؟ فأذن لي . فدخلت فلبست ثياباً جدداً ، وتطيبت بما أمكن من الطيب ، ثُمّ خرجنا ، فمضينا حتّى أتينا دار أمير المؤمنين الرشيد ، فإذا مسرور واقف ، فقال له هرثمة : قد جئت به . فقلت لمسرور : يا أبا هاشم ، خدمتي وحرمتي وميلي ، وهذا وقت ضيّق ، أفتدري لم طلبني أمير المؤمنين ؟ قال : لا . قلت : فمن عنده ؟ قال : عيسى بن جعفر . قلت : ومن ؟ قال : ما عنده ثالث . قال : مر وإذا صرت إلى الصحن فإنّه في الرواق ، وهو ذاك جالس ، فحرك رجلك بالأرض ، فإنّه سيسألك ، فقل أنا ، فجئت ففعلت ، فقال : من هذا ؟ قلت : يعقوب ، قال : ادخل ، فدخلت ، فإذا هو جالس وعن يمينه عيسى بن جعفر ، فسلمت فرد عليّ السلام وقال : أظننا روعناك ؟ قلت : إي والله وكذلك مَن خلفي . قال : اجلس ، فجلست حتّى سكن روعي ، ثُمّ التفت إلي فقال : يا يعقوب ، تدري لِمَ دعوتك ؟ قلت : لا . قال : دعوتك لأشهد على هذا أنّ عنده جارية سألته أنّ يهبها لي فامتنع ، وسألته أنّ يبيعها فأبى ; والله لأن لم يفعل لأقتلنّه . قال : فالتفت إلى عيسى وقلت : وما بلغ الله بجارية تمنعها أمير المؤمنين ، وتنزل نفسك هذه المنزلة ؟ قال : فقال لي : عجلت عليّ في القول قبل أنّ نعرف ما عندي ! قلت : وما في هذا من جواب ؟ قال : إنّ عليّ يميناً بالطلاق والعتاق وصدقة ما أملك أنّ لا أبيع هذه الجارية ولا أهبها . فالتفت إليّ الرشيد فقال : هل له في ذلك مخرج ؟ قلت : نعم . قال : وما هو ؟ قلت : يهب لك نصفها ويبيعك نصفها ، فتكون لم تبع ولم تهب . قال عيسى : ويجوز ذلك ؟ قلت : نعم ! قال : فاشهد أنّي قد وهبت له نصفها وبعته النصف الباقي بمائة الف دينار . فقال : الجارية ! فأتي بالجارية وبالمال ، فقال : خذها يا أمير المؤمنين ، بارك الله لك فيها . قال : يا يعقوب ، بقيت واحدة . قلت : وما هي ؟ قال : هي مملوكة ، ولا بدّ أنّ تستبرأ ، ووالله إنّ لم أبت معها ليلتي إنّي أظن أنّ نفسي ستخرج . قلت : يا أمير المؤمنين ، تعتقها وتتزوجها فإنّ الحرّة لا تستبرأ . قال : فإني قد أعتقتها فمن يزوجنيها ؟ قلت : أنا ، فدعا بمسرور وحسين ، فخطبت وحمدت الله ثُمّ زوجته على عشرين ألف دينار ، ودعا بالمال فدفعه إليها ، ثم قال لي : يا يعقوب ، انصرف ، ورفع رأسه إلى مسرور فقال : يا مسرور ! قال : لبيك أمير المؤمنين . قال : احمل إلى يعقوب مائتي ألف درهم وعشرين تختاً ثياباً ، فحمل ذلك معي " والرواية واضحة لا نحتاج إلى تعليق ، لمّا فيها من استخفاف بالدين والشريعة الإسلامية حيث أصبحت العوبه بيد أبي يوسف يحلل المحرّم ويجوز الأشياء المحرمة . وفي تاريخ بغداد 14 : 254 : " إنّ أم جعفر كتبت إلى أبي يوسف ما ترى في كذا ، وأحب الأشياء إلي أنّ يكون الحقّ فيه كذا ؟ فأفتاها بما أحبت ، فبعثت إليه بحق فضة ، فيه حقائق فضة مطبقات في كُلّ واحدة لون من الطيب ، وفي جام دراهم وسطها جام فيه دنانير " . وإذا أخذنا فقيهاً آخر وهو الإمام الأوزاعي فنراه يقول : " ما أخذنا العطاء حتّى شهدنا على علي بالنفاق ، وتبرّأنا منه ، وأخذ علينا بذلك الطلاق والعتاق وأيمان البيعة " ، سير أعلام النبلاء 7 : 130 ، تاريخ الاسلام 9 : 497 فمّن يشهد على من حبه إيمان وبغضه نفاق ، وهو علي بن أبي طالب بالنفاق كيف لا يفتي بما يوافق السلطان ويساير هواه ؟ وإذا أخذنا فقيهاً آخر وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى نجده من وعاظ السلاطين ، فقد تولى المسجنة في زمن الحجاج وعمل في قضائه ، قال الذهبي في تذكرة الحفاظ 1 : 58 : " وعن ابن حصين أنّ الحجاج استعمل عبد الرحمن ابن أبي ليلى على القضاء ، ثُمّ عزله ، ثُمّ ضربه ليسب عليّاً - رضي الله عنه - ، وكان يوري ولا يصرّح " وقال في سير أعلام النبلاء 4 : 264 : " وكان له وفادة على معاوية ، ذكرها ولده القاضي محمّد بن عبد الرحمن . . " . إلى غير ذلك ممّا يطول ذكره في هذه الوريقات . وعلى كُلّ حال فمشيخة علماء السنة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالدولة الحاكمة ، وهي التي تنصب العالم وتعزل بطوع إرادتها ، من دون أنّ تسير في ذلك على ميزان أو منهج . نعم المنهج الوحيد هو أنّ يكون العالم والمفتي مطيعاً مطواعاً يحرك متى ما أرادوا ويسكت متى ما شاؤوا ، ويحلل لهم المحّرمات ويحرم المحللات إذا كان ذلك في مصلحة الحاكم ، والأنكى من ذلك كُلّه فائدة العالم السلطوي أنّه يحلل دماء الأبرياء والمساكين والأحرار بلسان الشرع للحاكم إذا ما اعترضوا أو أنكروا أو أرادوا إبدال منكر أو إقامة معرفة ، وهذا ما يهمّ الحكّام كثيراً .

345

نام کتاب : ثم اهتديت ( محققة ) نویسنده : الدكتور محمد التيجاني    جلد : 1  صفحه : 345
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست