responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : ثم اهتديت ( محققة ) نویسنده : الدكتور محمد التيجاني    جلد : 1  صفحه : 294


قالوا : هل يوجد عندكم حوزات علمية ؟
أجبتهم : عندنا جامعات ومدارس ، وأنهالت علي الأسئلة من كُلّ جانب ، وكُلّها أسئلة مركّزة ومحرجة ، فماذا أقول لهؤلاء الأبرياء الذين يعتقدون أنّ في العالم الإسلامي كُلّه حوزات علمية تدرّس الفقه وأصول الدين والشريعة والتفسير ، وما يدرون أنّ في عالمنا الإسلامي وفي بلداننا التي تقدّمت وتطوّرت ، أبدلنا المدارس القرآنية بروضات للأطفال يشرف عليها راهبات نصرانيات ، فهل أقول لهم إنّهم ما زالوا " متخلّفين " بالنسبة إلينا ؟
وسألني أحدهم : ما هو المذهب المتبع في تونس ؟
قلت : المذهب المالكي ، ولاحظت بعضهم يضحك ، فلم أهتمّ لذلك ، قال : ألا تعرفون المذهب الجعفري ؟
فقلت : خير إن شاء الله ، ما هذا الاسم الجديد ؟ لا ، نحن لا نعرف غير المذاهب الأربعة ، وما عداها فليس من الإسلام في شيء [1] .



[1] لا يجوز أبناء السنة أتباع غير المذاهب الأربعة ، ويرونها هي الممثلة للإسلام وغيرها باطل لا يعتمد عليه وهذه جملة من أقوالهم : 1 - قال المناوي في فيض القدير 1 : 272 : " لا يجوز تقليد الصحابة وكذا تقليد التابعين غير الأربعة في القضاء والافتاء ; لأنّ المذاهب الأربعة انتشرت وتحررت حتّى ظهر تقييد مطلقها وتخصيص عامها ، بخلاف غيرهم لانقراض اتباعهم " . 2 - وقال ابن نجيم الحنفي كما في الاجتهاد في الشريعة : 357 " إن الاجماع انعقد على عدم العمل بمذهب مخالف للأربعة لانضباط مذاهبهم واشتهارها وكثرة اتباعها " . 3 - وقال صاحب كتاب الأشباه : " الخامس مما لا ينفذ القضاء به ما إذا قضى بشيء مخالف للاجماع وهو ظاهر ، وما خالف الأئمة الأربعة مخالف للاجماع ، وإن كان منه خلاف لغيره فقد صّرح في التحرير أنّ الاجماع انعقد على عدم العمل بمذهب مخالف للأربعة ، لانضباط مذهبهم وكثرة اتباعهم " الاجتهاد في الشريعة للمراغي : 357 . 4 - وقال المقريزي في كتابه الخطط والآثار 2 : 334 : " أُولي بمصر القاهرة أربع قضاة وهم شافعي ومالكي وحنفي وحنبلي فاستمر ذلك من ستة وخمسين وستمائة حتّى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يعرف من مذاهب أهل الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة وعقيدة الأشعري . وعملت لأهلها المدارس والخوانك والزوايا والربط في سائر ممالك الإسلام ، وعودي من تمذهب بغيرها وأنكر عليه ، ولم يولِ قاص ولا قبلت شهادة أحد ولا قدم للخطابة والإمامة والتدريس أحد ما لم يكن مقلّداً لأحد هذه المذاهب ، وأفتى فقهاء هذه الأمصار في طول هذه المدّة بوجوب اتباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها والعمل على هذا إلى اليوم " . 5 - وقال ابن الصلاح في كتابه نهاية السؤول في شرح منهاج الأصول 4 : 632 " إنّه يتعين تقليد الأئمة الأربعة دون غيرهم ; لأنّ المذاهب الأربعة قد انتشرت ، وعلم تقيد مطلقها وتخصيص عامها ، ونشرت فروعها ، بخلاف مذاهب غيرها " . 6 - وقال عبد الغني النابلسي في كتابه ( خلاصة التحقيق في بيان حكم التقليد والتلفيق ص 4 ) : " فاعلم أنّ المذاهب الآن التي يجوز تقليدها هي هذه المذاهب الأربعة لا غير ، فقد انحصر الآن العمل بشريعة محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في العمل بما ذهب إليه أحد الأربعة فقط " . 7 - وقال أحمد الصاوي : " ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة ، ولو وافق قول الصحابة ، والحديث الصحيح والآية ، فالخارج عن المذاهب الأربعة ضال مضل ، وربما أداه ذلك إلى الكفر ; لأنّ الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أُصول الكفر " الحاشية على الجلالين تفسير سورة الكهف 3 : 10 . 8 - وفي حاشية رد المختار لابن عابدين 1 : 52 : " لا يجوز إحداث قول خارج عن المذاهب الأربعة . . " . 9 - قال في الانصاف 11 : 178 : " الاجماع انعقد على تقليد كُلّ من المذاهب الأربعة ، وأن الحقّ لا يخرج عنهم . . " . 10 - وقال ابن خلدون في تاريخه 1 : 573 : " فاعلم أنّ هذا الفقه المستنبط من الأدلة الشرعية كثر فيه الخلاف بين المجتهدين باختلاف مداركهم وأنظارهم خلافاً لا بدّ من وقوعه ، ولما قدمناه واتسع ذلك في المّلة اتساعاً عظيماً ، وكان للمقلدين أن يقلدوا من شاؤوا منهم ، ثُمّ لمّا انتهى ذلك إلى الأئمة الأربعة من علماء الأمصار ، وكانوا بمكان من حسن الظن بهم اقتصر الناس على تقليدهم ومنعوا من تقليد سواهم . . " . وألف الحافظ عبد الرحمن بن رجب الحنبلي كتاباً بعنوان ( الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة ) قال فيه : " فقد بلغني انكار بعض الناس على انكاري على بعض من ينتسب إلى مذهب الإمام أحمد وغيره من مذاهب الأئمة المشهورين في هذا الزمان الخروج عن مذاهبهم في مسائل ، وزعم أنّ ذلك لا ينكر على من فعله ، وأنّ من فعله قد يكون مجتهداً متبعاً للحقّ الذي ظهر له أو مقلداً لمجتهد آخر فلا ينكر ذلك عليه " . ثمّ أخذ بالرد على هذه المقولة وأنَّ اللازم اتباع مذهب معيّن من هذه المذاهب الأربعة لانضباطها وانتشار أصحها ، ولئلا يؤدي الخروج عنها إلى الهرج وضياع الدين . وكذلك ألف الشيخ محمّد الحامد كتاباً بعنوان ( لزوم اتباع مذاهب الأئمة حسماً للفوضى الدينية ) وأخذ بالرد على من جوز الرجوع إلى الكتاب والسنة مباشرة من دون العمل بقول إمام من أئمة المذاهب الأربعة ، ثمّ قال : 13 : " وبعد فنحن ملتزمون مذاهبنا فيما عدا الحوادث الفائتة ولسنا مجتهدين حتّى نفتي من الأحاديث الشريفة ابتداءً ، فإنّ انظار الأئمة أبعد وأعمق من أنظارنا القاصرة ، قد أسرجوا لنا الفقه وألجموه ، فما علينا أن نتبع إلاّ ما أقروه ، كما لو أفتونا به وهم أحياء . . " . هذا المعنى هو الذي قصده المؤلف في كلامه من لزوم اتباع مذهب معين من هذه المذاهب الأربعة ، وأن غيرها لا يصح التعبد به والسير خلفه لأنّها اندثرت ولم يبقِ لها أثر أو لم تضبط وتحدد بشكل واضح حتّى يصح الرجوع إليها والاعتماد عليها ، فلذلك قال العلماء : " إنّ الاجماع انعقد على عدم العمل بمذهب يخالف الأربعة " ، فعلى هذا نشأ المؤلف كما ينشأ غيره من أبناء أهل السنة ، فلا يعرفون مذهباً لأهل البيت ( عليهم السلام ) يعرف بالمذهب الجعفري والذي شيد كيانه بشكل تام الإمام جعفر الصادق سلام الله عليه ; لأنّهم بعد أن انحرفوا عن أهل البيت وتركوا الثقل الثاني الذي هو عدل القرآن وهم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، انقطعت العلاقة بينهم وبين مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) وعقيدتهم وفقههم ، فلذلك يستغرب السني عندما يسمع بوجود مذهب خامس وهو مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) ، كما رأيت استغراب المؤلف عند سماعه بالمذهب الجعفري . نعم ، دعاة المذهب الوهابي يدعون إلى نبذ التقليد ، وعدم الأخذ بأقوال أئمة المذاهب في المسائل الفقهية ، ويوجبون الرجوع إلى الكتاب والسنة مباشرة وفهم الأحكام من خلالهما ، وقد وقع خصام شديد بينهم وبين علماء أهل السنة حول هذه المسألة وألفت كتب من الطرفين ، فهذا الشيخ محمّد ناصر الدين الألباني يتحامل على مسألة تقليد أحد الأئمة فيقول : " هذا الحديث من أعلام نبوته ( صلى الله عليه وآله ) فقد تحقق كلّ ما فيه من الأنباء وبخاصة منها ما يتعلق ب‌ ( المثناة ) وهي كلّ ما كتب سوى كتاب الله كما فسره الراوي ، وما يتعلق به من الأحاديث النبوية والآثار السلفية ، فكأنّ المقصود ب‌ ( المثناة ) الكتب المذهبية المفروضة على المقلدين التي صرفتهم مع تطاول الزمن عن كتاب الله وسنة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) كما هو مشاهد اليوم مع الأسف من جماهير المتمذهبين ، وفيهم كثير من الدكاترة والمتخرجين من كليات الشريعة ، فإنّهم جميعاً يدينون بالتمذهب ويوجبونه على الناس حتّى العلماء منهم . . . " الصحيحة 6 : 775 - 776 . وألف الخجندي السلفي كتاباً بعنوان ( هل المسلم ملزم باتباع مذهب معيّن من المذاهب الأربعة ) وقد ذكر فيه انتقادات لاذعة لمن قلد مذهباً معيناً فقال في : 55 : " وأما اتباع مذهب من المذاهب الأربعة أو غيرها فليس بواجب ولا مندوب ! ! وليس على المسلم أن يلتزم واحداً منها بعينه ، بل من التزم واحداً منها بعينه فهو متعصب مخطئ مقلداً تقليداً أعمى ، وهو ممن فرقوا دينهم وصاروا شيعاً " . وقال في : 63 : " وهذه المذاهب أمور مبتدعة حدثت بعد القرون الثلاثة ، وهذا لا شكّ فيه ولا شبهة ، وكُلّ بدعة تعتقد دينياً وثواباً فهي ضلال ، والسلف الصالحون كانوا يتمسكون بالكتاب والسنة وما دلاّ عليه ، وما أجمعت عليه الأُمة ، وكانوا مسلمين رحمهم الله تعالى ، ورضي الله عنهم وأرضاهم ، وجعلنا منهم وحشرنا معهم في زمرتهم ، ولكن لما شاعت المذاهب نشأ عنها افتراق الكلمة ، وتضليل البعض البعض ، حتّى أفتوا بعدم جواز اقتداء الحنفي وراء الإمام الشافعي مثلاً . . . " . وقال في : 69 : " إنّ القول يلزم التزام مذهب معيّن مبني على المقتضيات السياسية والتطورات الزمانية ، والأغراض النفسانية - إلى أن قال - : اعلم أنّ المذهب الحقّ الواجب الذهاب إليه والاتباع له إنّما هو مذهب سيّدنا محمّد ( صلى الله عليه وآله ) وهو الإمام الأعظم الواجب الاتباع " . وفي : 89 أخذ يتهجم على المقلدين لإمام معين فقال : " والمقلدون الجامدون اتخذوا ذلك ديناً ومذهباً بحيث لو أقمت عليه ألف دليل من النصوص لا يصغي إليه ، بل ينفر عنه كلّ النفور كحمر مستنفرة فرت من قسورة " ، ثمّ يدعو المؤلف كُلّ مسلم إلى العكوف على الكتاب والسنة لفهم أحكام الإسلام فيقول في : 114 : " ثُمّ أيّها المسلم إذا سمت همتك في العلم وقويت عزيمتك في التقوى فاحرص على فهم صريح الكتاب وظاهر السنة وفعل أكثر أهل العلم من السلف ، وأجمع بين الأحاديث المختلفة وتتبع الأخبار الصحيحة والحسنة المروية في كتب المحدثين وخذ بالأقوى والأقيس والأحوط . وتحصيل هذه الطريقة سهل لا يحتاج أكثر من ( الموطأ ) و ( الصحيحين ) و ( سنن أبي داود ) و ( جامع الترمذي ) و ( النسائي ) . وهذه الكتب معروفة مشهورة يمكن تحصيلها في أقرب مدة . . . " . ومن أراد المزيد فعليه بمراجعة الكتاب والكتب السلفية الأُخرى التي تتحامل على التقليد وتلزم الناس بالاجتهاد . ومما عرفناه يتضح أنّ علماء السنة يوجبون التمسك بالمذاهب الأربعة ، وعدم صحة الخروج عنها لأدلتهم التي ذكروها والتي نقلنا بعضها ، وأما الوهابية فهي ترفض فكرة الرجوع إلى المذاهب الأربعة وتدعوا الناس إلى الاجتهاد تحت مظلة الكتاب والسنة . فما ذكره صاحب كتاب كشف الجاني : 60 ما هو إلاّ قصر باع في الاطلاع أو محاولة اخفاء الحقيقة عن أعين القراء . بقيت دعوى أُخرى ذكرها عثمان الخميس في كتابه وهي : إنَّ أئمة المذاهب منعوا تقليدهم من دون علم واستشهد بكلام أبي حنيفة حينما قال : " لا يحلّ لأحد أن يقول بقولنا ما لم يعرف من أين أخذناه " ، وقول الشافعي : " إذا صح الحديث فهو مذهبي " ، فهذه أقوال الأئمة وهي تنهى عن التقليد والاتباع ، فلا يجوز نسبة لزوم اتباع إمام من أئمة المذاهب الأربعة إلى أهل السنة ؟ وللجواب على هذا الكلام نكتفي بما ذكره الشيخ محمّد الحامد في كتابه ( لزوم اتباع مذاهب الأئمة حسماً للفوضى الدينية : 20 ) عندما أجاب عن الاشكال فقال : " إنّه كان من الجدارة العلمية أن يتبع الناشر هذا الذي نقله عن الإمام بتوضيح العلماء له وتفسيره إيّاه ; بأنّه بالنسبة لقوم دون قوم ، ولفريق دون آخر ، فإنّ المفتين درجات ، فبعضهم ناقل فقط ، وبعضهم مرجح ، والذي يشترط في هذا لا يشترط في ذاك كما سترى إن شاء الله تعالى ، فالمرجح مشروط في افتائه أن يكون عارفاً بالدلائل ، وأهلاً للنظر فيها ، بالمقارنة بينها والموازنة فحصاً دقيقاً وغوصاً عميقاً ، فإذا صدر بعد هذا صدر عن عرفان ، وأفتى على بيّنة وبرهان وإذا لم يول الأمر هذا الاهتمام وله من الأهلية ماله كان مفرطاً آثماً لتضييعه نعمة الله عليه ، ولإغلاقه على نفسه باب تحقيق أذنهُ إمامه في فتحه وقد كان من الواجب الديني عليه أن يسبر الحقائق سبّراً صحيحاً ، هو فوق القناعة من العلم بمحض التقليد ، بلا معرفة للدليل وذا شأن القاصرين المأذون لهم في حكاية أقوال الأئمة من غير استدلال لها كالذي عليه عامّة العلماء والمتفقهة في سائر الأعصار والأمصار ومن أجل هذا الذي قاله الإمام رحمه الله تعالى ، وللحرية الدينية الممنوحة شرعاً في العلم أيضاً شمّر أقوياء العلماء عن سواعد الجدّ ، فنظروا في المآخذ والمصادر للأحكام وقارنوا بينها فرجح لديهم قول الإمام تارة ، وقول صاحبيه تارة أُخرى ، ولكن هؤلاء لا يدعون الاجتهاد المطلق ، فإن بحوثهم تدور في فلك المذهب وتسير في خططه وقواعده ، فهم مرجحون فقط ، ولا يعدو اجتهادهم حدود الترجيح " . ونقل في : 23 كلام الشيخ ابن عابدين في رسالته ( رسم المفتي ) حيث قال : " ثمّ أعلم أن قول الإمام : لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا . . . الخ يحتمل معنيين " فذكر الاحتمال الأوّل واستبعده ثمّ قال : " الثاني : من الاحتمالين أن يكون المراد الافتاء بقول الإمام تخريجاً واستنباطاً من أصوله . . إلى أن قال : فقد تحرر مما ذكرناه أنّ قول الإمام وأصحابه ( لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا حتّى يعلم من اين قلنا ) محمول على فتوى المجتهد في المذهب بطريق الاستنباط والتخريج كما علمت من كلام التحرير وشرح البديع . . وإن علينا اتباع ما نقلوه لنا عنهم من استنباطاتهم غير المنصوصة عن المتقدمين ومن ترجيحاتهم ولو كانت لغير قول الإمام كما قررناه في صدر هذا البحث ، لأّنهم لم يرجحوا ما رجحوه جزافاً ، وإنّما رجحوا بعد اطلاعهم على المأخذ كما شهدت مصنفاتهم بذلك انتهى كلام الشيخ ابن عابدين ، وراجع كتاب الشيخ محمّد الحامد من : 20 - 25 حيث تجد بغيتك هناك في شرح المقولة المتقدمة " . وأما الجواب عن المقولة الثانية وهي : ( إذا صح الحديث فهو مذهبي ) فقد أجابها عنها الشيخ محمّد الحامد في الكتاب المذكور : 15 فقال : " إننا لا ننازع في صحة ذلك عن الإمام ، لكنه ليس على اطلاقه ، إذ ليس كُلّ أحد يقوى على الاجتهاد والاستنباط فالمراد به من بلغ هذا المبلغ ، وأدرك هذا المدرك ، أما صغار المحصلين فإن اقتداءهم بأئمتهم أحمد عاقبة ، وأسلم غائلة ، وان تعدوا طورهم اغتراراً بأنفسهم ، هلكوا وأهلكوا وكان من أمانة النقل العلمي على ناشرها وقد عزاها إلى ( رسم المفتي ) و ( رد المختار ) لابن عابدين كان عليه أن يذكر التعقيب عليها لئلا يضع ناظرها الساذج موضع الحيرة ، فيجني عليه في دينه ، إذ لم يبق له اطمئناناً إلى مذهب إمامه . وإليك التعقيب الذي ذكره ابن عابدين فقد قال في ( رسم المفتي ) بالحرف الواحد : قلت : ولا يخفى أنّ ذلك لمن كان أهلاً للنظر في النصوص ومعرفة محكمها من منسوخها ، فإذا نظر أهل المذهب في الدليل وعملوا به ، صحّ نسبته إلى المذاهب ، إذ لاشك أنّه لو علم بضعف دليله رجع عنه واتبع الدليل الأقوى . ولذا رد المحقق ابن همام على المشايخ حيث أفتوا بقول الإمامين ( أي أبي يوسف ومحمّد ) بأنّه لا يعدل عن قول الإمام إلاّ لضعف دليله . وأقول أيضاً : ينبغي تقييد ذلك بما إذا وافق قولاً في المذهب إذ لم يأذنوا بالاجتهاد فيما خرج عن المذهب بالكلية مما اتفقوا عليه أئمتنا لأن اجتهادهم أقوى ، فالظاهر أنّهم رأوا دليلاً أرجح مما رآه حتّى لم يعملوا به ولهذا قال العلامة قائم في حقّ شيخه خاتمة المحققين الكمال بن الهمام : لا يعمل بأبحاث شيخنا التي تخالف المذهب . وقال في تصحيحه على القدوري : قال الإمام العلامة الحسن بن منصور بن محمود الأوزجندي المعروف بقاضيخان في كتاب الفتاوى : رسم المفتي في زماننا من أصحابنا إذ استفتى عن مسألة إن كانت مروية عن أصحابنا الحنفية في الروايات الظاهرة بلا خلاف بينهم ، فإنّه يميل إليهم ويفتي بقولهم ولا يخالفهم برأيه ، وإن كان مجتهداً ; لأنّ الظاهر أن يكون الحقّ مع أصحابنا ولا يعدوهم ، واجتهاده لا يبلغ اجتهادهم ولا ينظر إلى قول من خالفهم ، ولا تقبل حجته أيضاً ; لأّنهم عرفوا الأدلة وميزوا بين ما صحّ وثبت وبين ضده . والحاصل : إنّ ما خالف فيه الأصحاب إمامهم الأعظم لا يخرج عن مذهبه إذا رجحه المشايخ المعتبرون ، وكذا ما بناه المشايخ على العرف الحادث لتغيير الزمان أو للضرورة ونحو ذلك ، ولا يخرج عن مذهبه أيضاً ; لأنّ ما رجحّوه لترجيح دليله عندهم مأذون به من جهة الإمام ، وكذا ما بنوه على تغيير الزمان والضرورة باعتبار أنّه لو كان حيّاً لقال بما قالوه ; لأنّ ما قالوه إنّما هو مبني على قواعده أيضاً فهو مقتضى مذهبه ( انتهى المقصود من كلام العلامة ابن عابدين رحمه الله تعالى ) " . ومن العلماء الذين حذّر من الفتنة الوهابية النابذة للتقليد والمتبعة للأهواء العلامة سلمان العودة في كتابه الغرباء حيث قال في ص 121 : " وعلى سبيل المثال فإنّ المألوف لدى الحريصين على اتباع السنة في هذا الزمان أن يعتنوا بالجوانب العلمية - والحديثية خاصّه - ويحرصوا على تجنب التقليد ومحاربة المحرم منه ، ويهتموا بسلامة المعتقد . وهذه الجوانب الايجابية قد يسيء بعضهم أخذها ، فيتحول جانب العناية بالحديث ونبذ التقليد إلى فوضى تشريعية لا أوّل لها ولا آخر ، ويصبح من لا يحسن قراءة الآية ، ولا نطق الحديث ، ممّن يستظل بظل القوم - مجتهدا لا يعبأ بقول أحمد ولا مالك ولا الشافعي ولا أبي حنيفة - ويزعم أنّه سيأخذ من حيث أخذوا . وقد يتطور الأمر إلى الاجتهاد في أمور العقائد ، بناءً على تصحيح حديث أو تضعيف آخر أو فهم لظاهر نصّ أو نحو ذلك . . . وهنا يقع الخطر الكبير ، حيث تتحول الفوضى إلى الأُصول بعد الفروع . ثُمّ تجد هذا المحارب للتقليد ، النابز لأهله ، مقّلداً من حيث لا يشعر لفلان وفلان من العلماء وطلاب العلم الذين يحسن الظن بهم ، ويرى أنّهم على الجادة ، وأنّهم لا يخرجون على الدليل الصحيح ، ولا يقولون إلاّ ببينة ، أو تراه مقلداً لهم في تصحيح الأحاديث وتضعيفها وتوثيق الرجال وتوهينهم ، ومقلداً لهم في آرائهم الفقهية والاجتهادية الذين يعذرون - هم - فيها لو أخطأوا ، لكنه - هو - لا يعذر حين ينازع في تقليد الأئمة الأربعة وغيرهم ويقّلد من دونهم بمراحل ، ويترتب على هذا الاختلاف الواسع العريض والتفرق الممقوت المنافقي للأخوة والجماعة ، وهذا الاختلاف من سمات أهل البدع الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً . وقد تتحول العناية بسلامة المعتقد إلى رمي الآخرين بالضلال أو الكفر أو النفاق أو الفسق أو البدعة بلا بيّنة ، مع ظن اختصاص النفس بالكمال ، والسلامة مما وقع فيه الآخرين " . وخلاصة الكلام : إنّ علماء أهل السنة يرون لزوم التقيد بمذهب من المذاهب الأربعة ، ولا يجوز الخروج عنها ، إلاّ لمن بلغ رتبة الاجتهاد وحاز على درجة رفيعة من العلم ، أما من لم يحصل على ذلك فعليه تقليد إمام من أئمة المذاهب الأربعة . ولكن الوهابية لا يرون لها ذلك وتلزم الإنسان بالرجوع إلى الكتاب والسنة مباشرة لمعرفة أحكام دينه من حلال وحرام وواجب ومكروه وندب ، وألفوا كتاباً في التشخيص على من الزم الإنسان بتقليد إمام معين كما رأينا كتاب الخجندي المتقدم ومن أراد مزيداً من الاطلاع فليرجع إلى : 1 - خلاصة التحقيق في بيان حكم التقليد والتلفيق - الشيخ عبد الغني النابلسي . 2 - اللا مذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية - الشيخ رمضان البوطي . 3 - الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة - الشيخ عبد الرحمن بن رجب الحنبلي . 4 - لزوم اتباع مذاهب الأئمة - الشيخ محمّد الحامد . 5 - مقالات الشيخ زاهد الكوثري . ويرجع إلى كتب الوهابية المتحاملة على التقليد ككتاب ( هل المسلم ملزم باتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة ) ، وكتاب ( صفة صلاة النبيّ للألباني ) وغيرها من الكتب . وبعد هذا لا يحقّ لعثمان الخميس وهو من اتباع محمّد بن عبد الوهاب ، وهم يزرون بالتقليد وبالرجوع للأئمة الأربعة ; بعد هذا لا يحق له أن يتكلم بلسان أهل السنة عامة وينكر على المؤلف كلامه في لزوم اتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة ، ما دام عثمان الخميس ليس من هؤلاء ولا يؤمن بذلك ، مع أنّ علماء السنة حكموا بلزوم اتباع المذاهب الأربعة والرجوع إليها . . . . وبذا يتضح المراد من قول الإمام رحمه الله تعالى ، ويبطل ما يطلبه الباعثون للفتنة الدينية من رقادها والحمد لله تعالى " .

294

نام کتاب : ثم اهتديت ( محققة ) نویسنده : الدكتور محمد التيجاني    جلد : 1  صفحه : 294
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست