وأضاف قائلا : حقاً إنّ حالة العرب مؤسفة من هذه الناحية . وثارت في رأسي حميّة الوهابية ، فقلت للدكتور : " إذاً أنت وهابي الفكر - يا حضرة الدكتور - فهم يقولون كما تقول ليس هناك أولياء " . فقال : لا أنا لست على رأي الوهابية ، والمؤسف عند المسلمين هو إمّا الإفراط وإمّا التفريط ، فإمّا أن يؤمنوا ويصدّقوا بكل الخرافات التي لا تستند إلى دليل ولا عقل ولا شرع ، وإمّا أن يكذّبوا بكُلّ شيء حتّى بمعجزات نبيّنا محمّد وأحاديثه ، لأنّها لا تتماشى وأهواءهم وعقائدهم التي يعتقدونها ، وقد شرّقت طائفة وغرّبت أخرى ; فالصوفية يقولون بإمكانيّة حضور الشيخ عبد القادر الجيلاني - مثلا - في بغداد وفي نفس الوقت في تونس ، وقد يشفي مريضاً في تونس وينقذ غريقاً في نهر دجلة في نفس اللّحظة ، فهذا إفراط . والوهابية - كرد فعل على الصوفية - كذّبوا بكُلّ شيء حتّى قالوا بشرك من توسّل بالنبي ! وهذا تفريط ، لا يا أخي نحن كما قال الله تعالى في كتابه العزيز : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ) [1] . أعجبني كلامه كثيراً وشكرته مبدئيّاً ، وأبديت قناعتي بما قال . فتح محفظته وأخرج كتابه عن عبد القادر الجيلاني وأهدانيه ، كما دعاني للضيافة فاعتذرت ، وبقينا نتحدّث عن تونس وعن شمال إفريقيا حتّى جاء صديقي ، ورجعنا إلى البيت ليلا بعد أن أمضينا كامل اليوم في الزيارات والمناقشات ، وشعرت بالتّعب والإرهاق فاستسلمت للنوم . استيقظت باكراً وصلّيت وجلست أقرأ الكتاب الذي يبحث في حياة عبد القادر ، فما أفاق صديقي حتّى كنت قد أتممت نصفه ، وكان يتردّد عليّ من حين لآخر داعياً إيّاي لتناول الفطور ، فلم أوافق حتّى أنهيت الكتاب ، وقد شدّني إليه وأدخل عليّ شكّاً لم يلبث طويلا حتّى زال قبل خروجي من العراق .