فلا غرابة أنْ يعمل كلّ ما في وسعه للقضاء على محمّد ودعوته ، وقد رأيناه يجهّزُ جيشاً كبيراً بما أتاح له الثراء في غزوة أُحُد ، ويكمنُ للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) محاولا القضاء عليه ، وقد حاول أيضاً عام الحديبيّة أن يغتال النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولكنّ الله سبحانه أفشل مخططاته كلّها فباءت بالفشل ، ونصر نبيَّه في المواطن كلّها . ولمّا عرف خالد كغيره من عظماء قريش بأنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا يُقهر ، ورأى الناس يدخلون في دين الله أفواجاً ، عند ذلك استسلم للأمر الواقع وفي نفسه حسرة ، فكان إسلامه متأخّراً إلى السنّة الثامنة للهجرة ، وقبل فتح مكة بأربعة شهور . ودشّن خالد إسلامه بمخالفة أوامر الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حيث نهاهم عن القتال ، فدخل خالد إلى مكّة يوم الفتح بعدما قتلَ أكثر من ثلاثين رجلا أغلبهم من قُريش ، وكان النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أوصاهم بأن لا يقتلوا أحداً . ومهما اعتذر المعتذرون عن خالد بأّنّه صُدَّ عن الدّخول إلى مكّة ، وبأّنّهم شهروا في وجهه السلاح ، فهذا لا يُبيح له القتال بعد نهي النبيّ عنه ، وكان بوسعه أن يرجع إلى باب آخر فيدخله بدون قتال ، كما فعل الآخرون ، أو أن يبعث للنّبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يستشيره في قتال الذين منعوه الدخول . ولكن شيئاً من ذلك لم يكن ، واجتهد خالد برأيه مقابل النصّ الذي سمعه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وما دمنا نتحدّث عن الاجتهاد مقابل النصّ ، والذي أصبح له أنصار ومؤيّدون ، أو قُل : أصبحتْ له مدرسة قائمة تخرَّجَ منها عُظماء الصحابة