وعنّفهم على كذبهم ، وعاقبهم على جريمتهم لاشتدّ بُغضهم لأخيهم ، ولوصل بهم الأمر إلى اغتيال أبيهم ، وربّما عبروا عن ذلك بقولهم لأبيهم : * ( قَالُواْ تَاللّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) * ( 1 ) . ومن كلّ هذا نستنتجُ بأنّ السكوت في بعض الأوقات مستحبٌّ إذا كان في معارضة الباطل مفسدة أو هلاك ، أو كان في السكوت عن الحقّ مصلحة عامة ولو آجلة . ولا بدّ أن يُفهم من الحديث النبوي الشريف القائل : « الساكتُ عن الحقّ شيطانٌ أخرس » هذا المدلول الذي يتّفق مع العقل ومع كتاب الله المجيد . ولو تتبعنا حياة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لوجدناه يسكتُ في كثير من الأوقات لمصلحة الإسلام والمسلمين ، حسبما يُروى في الصحاح من السيرة النبويّة كصلح الحديبية وغيرها . ورحم الله أمير المؤمنين عليّاً الذي سكت بعد وفاة ابن عمه - بأبي هو وأمّي - وقال في ذلك قولته المشهورة : « وطفقتُ أرتأي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه ، فرأيتُ أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرتُ وفي العين قذى وفي الحلق شجا . . . » ( 2 ) . ولو لم يسكت أبو الحسن عن حقّه في الخلافة ، وقدّم في ذلك مصلحة الإسلام والمسلمين ، لما كان للإسلام بعد محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنْ يعيش أبداً على ما رسمه الله ورسوله .