وإذا سأل سائل : لماذا تركوهم واقتدوا بغيرهم من أئمة المذاهب الأربعة ، إذا كانوا يعترفون بتلك الأحاديث ويُصحّحونها ؟ ! والجواب هو : إنّ « السلف الصالح » كلّهم من أنصار الخلفاء الثلاثة الذين ولّدتهم السقيفة ، أبو بكر وعمر وعثمان ، فكان نفورهم من أهل البيت وعداؤهم للإمام علي وأولاده لا بدّ منه ، فعملوا كما قدّمنا على محق السنّة النبويّة وإبدالها باجتهاداتهم . وسبب ذلك انقسام الأُمّة إلى فرقتين بعد وفاة الرسول مباشرة ، فكان « السلف الصالح » ومن تبعهم ورأى رأيهم يمثّلون « أهل السنّة والجماعة » ، وهم الأغلبية الساحقة في الأُمّة ، وكان الأقلية القليلة علي وشيعته الذين تخلّفوا عن البيعة ولم يقبلوا بها ، فأصبحوا من المنبوذين والمغضوب عليهم ، وأطلَقوا عليهم اسم الروافض . وبما أنّ « أهل السنّة والجماعة » هم الذين تحكّموا بمصير الأُمّة عبر القرون ، فحكّام بني أُميّة كلّهم ، وحكّام بني العباس كلّهم هم أنصار وأتباع مدرسة الخلافة التي أسسها أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية ( 1 ) ويزيد . ولمّا فشل أمر الخلافة وذهبت هيبتُها ، وأصبحت في أيدي المماليك والأعاجم ، وسُمح بتدوين السنّة النبويّة ، عند ذلك ظهرتْ تلكم الأحاديث التي عمل الأولون على طمسها وكتمانها ، ولم يقدروا فيما بعد على محوها
1 - لقد أغفلنا ذكر خلافة علي بن أبي طالب قصداً ، لأنّ « أهل السنّة والجماعة » لم يكونوا يعترفون بها - كما قدّمنا - إلاّ في زمن أحمد بن حنبل . راجع فصل « أهل السنّة لا يعرفون السنّة النبويّة » في صفحات سابقة من هذا الكتاب ( المؤلّف ) .