إن الذين التفوا حوله لم يكونوا على نفس الدرجة من الإخلاص . لقد كانوا على جانب من الذعر الذي أخافهم وثبة العرب عليهم . وكان علي ( ع ) يومها مستعدا لقلب الأوضاع بعد أن رأى الأمر في يد تيار الاغتصاب . ويذكر اليعقوبي إنه اجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة ، فقال لهم : " اغدوا علي محلقين الرؤوس فلم يغد إلا ثلاثة نفر [84] " . وقال علي ( ع ) في بداية الأمر : " لو وجدت أربعين ذووا عزم لناهضتهم " . ولما لم يجد من هم كذلك ، فضل الصبر " فرأيت الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى " . علي ( ع ) إمام شرعي ، وأمامه عصابة من المغتصبين لشرع الله . والمفروض إذ ذاك هو النهوض بالوضع بشكل يطيح بهؤلاء مع مراعاة مصلحة الإسلام . والتقية كما يقول بعد ذلك الإمام الصادق ( ع ) : التقية ديني ودين آبائي . فعلي ( ع ) أولى بالتقية وهو يعاصر مرحلة خطيرة عليه وعلى الإسلام . وبالمقابل فإن تيار الاغتصاب راح يعضد بعضه بعضا . ويؤسس له حلفا متماسكا . يتداولونها قهرا وغلبة . فأبو بكر عهد إلى عمر من دون مشورة وهذا الأخير عهد إلى عثمان من خلال فبركة ملتوية . وكلهم وقفوا من علي ( ع ) موقفا صارما . ولا بد من أن نشير إلى أن موقفهم من الإمام لم يكن في شأن جدارته ، بل كان ذلك فيما يتعلق بالجانب السياسي . بالإضافة إلى أن كثيرا من الوقائع تشهد على ما كان من صراع حقيقي بين الثلاثة والإمام علي ( ع ) فالكل يحرص على إزاحة علي ( ع ) وهذا الأخير يعمل أيضا ما في وسعه لإقصائهم ، لترتاح منهم الأمة . ويعود الأمر كما بدأ لأهله الذين يستحقونه .