ومن هنا تبين كيف أن الفائدة عمت عند ذكر الحوار ، وأن محمدا لم يخرج مستحيا كما تخيله ابن خلدون ، وإنما عنفه وضربه وأخلى بذلك الطريق للثوار كي يشرعوا في قتله ، ولا أدل على ذلك مما ذكرنا من شكوى بنت الفرافصة ما فعل محمد بن أبي بكر ، عندما سألها علي ( ع ) كما تقدم ، ولو كان استحيا وخرج كما زعم ، لما شكت الكلبية ، ولكانت من الشاكرين له . ولما كانوا انتقموا منه شر انتقام حين ظفروا به وأحرقوه انتقاما ليوم الدار ، ولقاء ما صدر عنه من عنف في قتل عثمان . ولقد ذكر ابن خلدون في مورد آخر ، وفي لحظة تبرير جديد إن ابن حديج كان قد منع محمد ابن أبي بكر الماء جزاء بما فعل بعثمان ، ثم أحرقه في جوف حمار . أفلا يدل ذلك على أن موقف محمد العنيف من عثمان ، كان مما اشتهر به في زمانه ! . لقد امتنع ابن خلدون عن نقل تفاصيل الحوار الذي دار بين الاثنين ، حتى يتسنى له القول : " ثم استحيا وخرج " . ويبقى أن نطرح سؤالا على ابن خلدون عن موقع وموقف عائشة من مقتل عثمان . ابن خلدون ، لم يذكرها بشئ . وقصارى ما جادت به قريحته في هذا المجال قوله : ثم خرجت عائشة إلى الحج ودعت أخاها فأبى فقال له حنظلة الكاتب : تدعوك أم المؤمنين فلا تتبعها ، وتتبع سفهاء العرب فيما لا يحل ؟ ولو قد صار الأمر إلى الغلبة غلبك عليه بنو عبد مناف " [95] . وفي مورد آخر قال : وكان سبب اجتماعهم بمكة أن عائشة كانت خرجت إلى مكة وعثمان محصور كما قدمناه ، فقضت نسكها وانقلبت تريد المدينة ، فلقيت في طريقها رجلا من بني ليث أخوالها ، فأخبرها بقتل عثمان وبيعة علي فقالت : قتل عثمان والله ظلما ولأطلبن بدمه فقال لها الرجل ولم أنت كنت تقولين ما قلت ؟