مال المسلمين [88] . وللبيب أن يتسأل ، هل بعد هذا كله كان أبو ذر ضحية تمويه . وصدق طه حسين ، حين استسرف الأمر قائلا : " ومن هذا التلقين إلى أن يقال أنه الذي لقن أبا ذر مذهبه كله في نقد الأمراء والأغنياء وتبشير الكانزين للذهب والفضة بمكاو من نار ، وما أعرف إسراف يشبه هذا الاسراف [89] " . وينقلب السحر على الساحر في عملية العرض المغرضة ليكون ابن خلدون أحيانا عراب فضيحته فقد ذكر أنهم أتوا به إلى معاوية ، وإنه لمن الحظ تأييد هذه الأكذوبة فمعاوية الذي ضاق بأبي ذر الغفاري حتى أخرجه من الشام وشكاه إلى عثمان . كيف لا ينبس ببنت شفة أمام عبد الله بن سبأ وهو الذي أثار أبا ذر على معاوية حسب زعمهم . ثم كانت الطامة الكبرى والبطشة الأخرى ، كما نسجها المنوال الردئ عندما اعتبر ابن خلدون خروج أبي ذر إلى الربذة محض اختيار . ولا بد هنا من الاعتراض على ابن خلدون ، ونقول له إن أبا ذر خرج ثلاث مرات وليس مرة واحدة ، أخرج المرة الأولى من المدينة إلى الشام ، وأخرج في الثانية من الشام إلى المدينة ، وفي الثالثة من المدينة إلى الربذة وكان عثمان هو من أجبره على كل ذلك . لقد نفي إلى الشام عندما شكاه مروان ، ورجع إلى المدينة بطلب من عثمان بعد أن شكاه معاوية ومن المدينة هجر إلى الربذة بعد أن ضاق به عثمان ذرعا ، وسوف نتعرض فقط للصورة التي تم تهجير أبي ذر عليها من المدينة إلى الربذة ، والطريقة التي جاء بها إلى المدينة من الشام . عندما ضاق معاوية بأبي ذر الغفاري بالشام واستنجد عليه بعثمان طلب منه هذا الأخير أن يشخصه إليه في أغلظ مركب وأوعره [90] .
[88] مروج الذهب ص 342 ج 2 . - راجع عثمان والفتنة الكبرى من كتابنا الانتقال ص 191 ط الأولى دار النخيل . [89] إسلاميات طه حسين ص 761 ، ط الأولى 1967 . [90] مروج الذهب 349 ج 2 .