والامتحان : ( وقد كان صاحبكم هذا - أي أحمد بن حنبل - يقول : لا تقية إلا في دار الشرك ، فلو كان ما أقر به من خلق القرآن كان منه على وجه التقية ، فلقد أعملها في دار الإسلام وقد كذب نفسه ، وإن كان ما أقربه على الصحة والحقيقة فلستم منه وليس منكم ، على أنه لم ير سيفاً مشهوراً ، ولا ضرب ضرباً كثيراً ، ولا ضرب إلا ثلاثين سوطاً مقطوعة الثمار مشبعة الأطراف ، حتى أفصح بالإقرار مراراً ، ولا كان في مجلس ضيق ولا كانت حله مؤيسة ، ولا كان مثقلاً بالحديد ، ولا خُلع قلبه بشدة الوعيد ولقد كانت منازع بألين الكلام ويجيب بأغلظ الجواب ويرزنون ويخف ويحلمون ويطيش ) ( 1 ) . . . ويؤيد ذلك ما ذكره اليعقوبي في تاريخه من قول الجاحظ بإقرار أحمد بن حنبل بأن القرآن مخلوق ، قال : ( وامتحن المعتصم أحمد بن حنبل في خلق القرآن ، فقال أحمد : أنا رجل علمت علماً ولم أعلم فيه بهذا فأحضر له الفقهاء وناظره عبد الرحمن بن إسحاق ، وغيره . . فامتنع أن يقول أن القرآن مخلوق ، فضرب عدة سياط ، فقال إسحاق بن إبراهيم : ولني يا أمير المؤمنين مناظرته ، فقال : شأنك به ، فقال إسحاق : هذا العلم الذي علمته نزل به عليك ملك أو علمته من الرجال ؟ ! فقال أحمد : بل علمته من الرجال . فقال إسحاق : شيئاً بعد شيء أو جملة ؟ قال : علمته شيئاً بعد شيء . قال إسحاق : فبقي عليك شيء لم تعلمه . قال أحمد : بقي عليّ شيء لم أعلمه .
1 - مقدمة كتاب - أحمد بن حنبل والمحنة ص 14 ، نقلاً عن هامش الكامل ج 3 ص 131 - ص 139 .