وهكذا كل واحد يجر النار إلى قرصه ، ويتعصب لإمامه ، ويفتخر بمذهبه ويتبرى من المذاهب الأخرى ، حتى قيل : ( إن من يصير حنفياً يُخلع عليه ، ومن يصير شافعياً يُعزّز ( 1 ) . وقد وصف السبكي ، في طبقات الشافعية بقوله : ( فهذا أبو سعيد المتوفي سنة 562 ه كان حنفي المذهب ، وتحول شافعياً ، فلقي عناء وامتحن لذلك ، وهذا السمعاني لما انتقل من المذهب الحنفي إلى المذهب الشافعي لاقى محناً وتعصباً ، وقامت الحروب على ساق ، وأضرمت نيران الفتنة بين الفريقين ، فكانت تملأ ما بين خراسان والعراق واضطرب أهل مرو لذلك اضطرباً فظيعاً ، وفُتحت باب المشاقة ، وتعلق أهل الرأي بأهل الحديث وساروا إلى باب السلطان . . . إلى آخر ما وصفه ( 2 ) . ومثل هذه الحوادث كثيرة لا تحصى ، وما ذكرناه كاف كنماذج وأمثلة لحركة الاختلاف والتعصب بين المذاهب الأربعة ، حتى أصبح التكتم بالمذهب لازماً . يقول أبو بكر محمد بن عبد الباقي المتوفي سنة 535 ه في ذلك - وكان حنبلياً يصف حالة التكتم بقوله : احفظ لسانك لا تبح بثلاثة سن ومال ما استطعت ومذهب فعلى الثلاثة تبتلى بثلاثة بمكفر وبحاسد ومكذب وقد صور الزمخشري الخلاف وشدة التطاحن بين المذاهب بقوله :
1 - الدين الخالص ج 3 ص 355 . 2 - طبقات الشافعية ج 3 ص 22 .