فتعرفت على قادات التحرر في العالم الإسلامي ، أمثال عبد الرحمن الكواكبي ، والسنوسي ، وعمر المختار . . وجمال الدين الأفغاني ، ذلك الثائر والعبقري المفكر الذي انطلق من أفغانستان وتنقل في عواصم الدول الإسلامية والغير إسلامية ناشراً الفكر الحيوي الذي يتناول أبعاد التخلف في العالم الإسلامي وكيفية علاجها . وما شدّ انتباهي ! هو أسلوبه الذي كان يمارسه في عمله الجهادي من الحكمة والحنكة ونشر الثقافة وإعطاء الرشد الفكري للأمة الإسلامية ، من غير أن يحمل سلاحاً . . ! فقد كنت أعتقد ، أن كل من يريد أن يجاهد ويدافع عن المسلمين ، لا بد أن يرفع السيف ويخوض الحروب والمعارك ، فكان أسلوبه مغايراً تماماً لما كنت أتصوره ، فأسلوب الكلمة والثقافة الواعية شيء جديد في تفكيري الديني ، ولكني لم أستطع التخلي بسهولة عما بنيت عليه أفكاري و طموحاتي ، رغم اكتشافي أن أزمة الأمة أزمة ثقافة رسالية ناضجة ، لأن الثقافة هي التي يمكن أن تُحمّل كل فرد مسؤوليته ، فهذا هو جمال الدين طاف العالم وهو يبث نوره وبركته وينشر الفكر والثقافة التي تلقاها المسلمون بترحيب وتفاعل ، لأنها كانت تحل لهم مشاكلهم وتتعامل مع واقعهم ، فأرهب بذلك القوى الاستعمارية الحاقدة ، فكانت العروة الوثقى ( 1 ) وحدها تحد شامخ لهم جعلهم يعملون على محاصرتها ومنع إصدارها . فكان التساؤل الذي يراودني : كيف تمكن هذا لفرد الوحيد أن يغير تلك الموازنات ، وكيف أرهب كل هذه القوى المستكبرة ؟ !
1 - وهي جريدة أصدرها جمال الدين وتلميذه محمد عبده في لندن .