نام کتاب : الانحرافات الكبرى نویسنده : سعيد أيوب جلد : 1 صفحه : 224
لم تكن ملامح الفطام على جذوع النخل فقط حيث صلب السحرة ، ولم تكن في بيوت ضعفاء قوم موسى ، وإنما كانت ملامحه أيضا داخل القصر الفرعوني نفسه ، فالسيدة آسية زوجة فرعون لم تنج من البطش لأنها آمنت برسالة موسى عليه السلام ، وهي التي كانت تتعهده عندما كان صغيرا في بيت فرعون ، يقول تعالى : ( وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ) [143] قال المفسرون : قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة : الجمع بين كون البيت المبني لها عند الله في الجنة . لكون الجنة دار القرب من الله وجوار رب العالمين . فقد اختارت جوار ربها والقرب منه ، على أن تكون أنيسة فرعون وملكة مصر ، وآثرت بيتا يبنيه لها ربها على بيت فرعون ، الذي فيه مما تشتهيه الأنفس وتتمناه القلوب . لقد عزفت نفسها عما هي فيه من زينة الحياة الدنيا ، وهي لها خاضعة ، وتعلقت بما عند ربها من الكرامة والزلفى ، فآمنت بالغيب ، واستقامت على إيمانها حتى لقت ربها شهيدة . وقولها : ونجني من فرعون وعمله ، سؤال أن ينجيها الله من شخص فرعون ، ومن عمله الذي يدعو ضرورة المصاحبة والمعاشرة . لقد استغاثت بالله من مجتمعها الخاص . وقولها : ونجني من القوم الظالمين - وهم قوم فرعون - كان استغاثة بالله أن ينجيها من المجتمع العام - لقد رفضت آسية الخاص والعام ، وطلبت القرب والجوار فجمعت بين الكرامتين . قتلها فرعون بعد خزيه في يوم الزينة ، عندما علم بإيمانها برسالة موسى عليه السلام كما قتل الماشطة وأولادها وكانت الماشطة تقوم بخدمة بنات فرعون ، قتلها ومعها أولادها عندما علم أنها رفضته ورفضت شذوذ آبائه ، لقد تتبع فرعون كل طاقة تحمل نور الإيمان وأجرى فيها الدماء . كان أطفال المؤمنين في الماء المغلي ، ثم يقطع أطراف الآباء بين ضحكات الملأ وهتاف الجماهير . لقد كانوا يظنون أنهم يبلغون مع كل قتيل يقتلونه القمة ! وأن الأطراف المقطوعة والأجساد المعلقة على جذوع النخل بطوله لا تحتاج دليل .