نعم أدى هؤلاء الفقهاء خدمات علمية بارزة ، لكن تفرق علمهم في الناس - مع كونهم ليسوا أعلم من في الأمة - أدى إلى اختلاف الناس باختلاف آراء الفقهاء ، وشهد تاريخ الأمة نشأة أفقهة كثيرة ، تبعا لكل من خاض في هذا المضمار ، ثم انقرض أكثرها لظروف سياسية في أغلبها ، وبقي منها الأربعة التي نعرفها . وأما الجانب الروحي فلم يجد من هؤلاء حظا من الاهتمام ، فاستقل به من اهتموا بشؤونه ، وغلبتهم همومه ، فانقطعوا عن الدنيا ، وطلقوا السياسة ، واستغرقوا في الروحانية استغراقا ، وعرفوا اصطلاحا فيما بعد باسم الصوفية ، ومنهم من تأثر بالفلسفة اليونانية ، ومنهم من اقتبس من النصرانية ، ومنهم من اتبع الشريعة ، ومنهم من شطح . نعم جرت محاولات لربط الطريقة بالشريعة كما فعل أبو حامد الغزالي ، لكن محاولته اقتصرت على الجمع بين الجانب القانوني والجانب الروحي ، وبقيت بعيدة عن الجانب السياسي ، أوقد أهملته إهمالا .