وأباينه . قال الزركشي : وانتصاب تفصيا على التميز كقوله تعالى * ( وأحسن مقيلا ) * ( الفرقان : 24 ) ( من صدور الرجال ) أي من قلوبهم التي في صدورهم ( من النعم ) أي الإبل ( من عقلها ) أي أشد نفارا من الإبل إذا انفلتت من العقال ، فإن من شأن الإبل طلب التفلت مهما أمكنها ، فمتى لم يتعاهد صاحبها رباطها تفلتت ، فكذلك حافظ القرآن إن لم يتعاهد تفلت ، بل هو أشد من ذلك ، وفي نص القرآن إشارة إلى ذلك حيث قال * ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) * وقال * ( ولقد يسرنا القرآن للذكر ) * فمن حافظ على تلاوته بشراشره يسره له ، ومن أعرض عنه تفلت منه . وروي بعقلها ، والباء فيه بمعنى من . والعقل جمع عقال ككتاب وكتب يقال عقلت البعير أعقله عقلا ، وهو أن تنثني وظيفه على ذراعه فيشدان بحبل ، وذلك الحبل هو العقال . قال التوربشتي : ويجوز تخفيف الحرف الوسط في الجميع مثل كتب وكتب . قال والرواية فيه من غير تخفيف . ونسيان القرآن كبيرة . وفيه ندب ضرب الأمثال لإيضاح المقاصد . ( حم ق ن عن ابن مسعود ) وفي الباب عن ابن عمر وغيره .
975 - ( استرشدوا ) بكسر المعجمة ( العاقل ) أي الكامل العقل ، قال للكمال لا للحقيقة ( ترشدوا ) بفتح أوله وضم ثالثه كما ضبطه جمع . أي اطلبوا منه ندبا مؤكدا الإرشاد وإلى إصابة الصواب يحصل لكم الاتصاف بالرشد والسداد ، ولكن يختلف الحال باختلاف الأمر المطلوب ، فتشاور في أمور الدين وشؤون الآخرة الذين عقلوا الأمر والنهي عن الله وعقلوا بالعقل النفوس عن موارد الهوى وكفوها بالخوف عن موارد الردى وألزموها طرق سبل الهدى . وفي أمور الدنيا من جرب الأمور ومارس المحبوب والمحذور ، ولا تعكس ، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مر بقوم يلقحون نخلا فقال لو لم تفعلوا كان لصلح ، فتركوا ، فخرج شيصا ، فقال أنتم أعلم بأمر دنياكم . رواه مسلم ، وروى أحمد عن طلحة قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل فرأى قوما يلقحون نخلا فقال ما تصنعون ؟ قالوا كنا نضعه ، قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا ، فتركوه فنقصت ثمرته ، فقال إنما أنا بشر مثلكم وإن الظن يخطئ ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله فلن أكذب على الله . اه . وقد أمر الله نبيه بالاستشارة مع كونه أرجح الناس عقلا . فقال تعالى * ( وشاورهم في الأمر ) * ( آل عمران : 159 ) وأثنى تعالى على فاعليها في قوله * ( وأمرهم شورى بينهم ) * ( الشورى : 38 ) ( ولا تعصوه ) بفتح أوله ( فتندموا ) أي لا تخالفوه فيما يرشدكم إليه فتصبحوا على فعلتم نادمين . والفاء لقوة ارتباط الطلب وتأكد طلب المنع من المخالفة والتحذير منها . وأعظم به من حث على استشارة أولي الألباب والاقتداء بهم ، وفيه تنويه عظيم على شرف العقل . قال بعض الحكماء من استعان بذوي العقول فاز بدرك المأمول . وقال بعضهم لا تصلح الأمور إلا برأي أولي الألباب . والرحى لا تدور إلا على الأقطاب . قال البيهقي قيل لرجل من بني عبس : ما أكثر صوابكم ، فقال نحن ألف رجل فينا حازم ونحن نطيعه فكأننا ألف حازم . وقال علي كرم الله وجهه : نعم الموازرة المشاورة ، وبئس