وهو بهذا النهج الذي التزمه ، والطريق الذي سلكه ، قد نقل إلى هذا الكتاب عصارة ما في كتب الأدب والنقد والتاريخ والنسب والمغازي والسير والفقه والجدل والمناظرة وعلوم الكلام ، وخلاصة ما اشتملت عليه الرسائل والمتون والشروح والحواشي والتعاليق ، وطرزه بما اختاره من روائع الخطب ونوابغ الحكم ومصطفى الرسائل ، مما نطق به مصاقع الخطباء وبلغاء الكتاب وزعما القول في الجاهلية والاسلام ، ثم وشاه بما انتحله من دواوين الشعراء الجاهلين والمخضرمين والإسلاميين والمولدين من فاخر القول وحر الكلام ، في متنوع فنون الشعر ومذاهبه ، ومختلف أغراضه ومراميه .
وقد ارتفع أسلوبه في جميع مراحل الكتاب عن الخلل والتعقيد ، وتجافى عن الركاكة والتعسف والابهام ، والتزم الأسلوب الرصين ، والتعبير الفصيح ، واللفظ العربي الأصيل ، سوى بعض الألفاظ التي تدست فيما نقله عن المتكلمين وأصحاب المقولات ، من نحو قولهم :
" المحسوسات " ، و " الكل والبعض " ، وقولهم : " الصفات الذاتية والجسمانيات " ، وقولهم : " أما أولا فالحال كذا " ، ونحو ذلك مما يأباه الفصيح من الألفاظ والسليم من الأساليب .
وقد اعتذر عن ذلك المؤلف بقوله : " استهجنا تبديل ألفاظهم وتغيير عباراتهم ، فمن كلم قوما كلمهم باصطلاحهم ، ومن دخل ظفار حمر " [1] .
وما أحسن ما اعتذر به !
وبتلك المزايا المتنوعة للكتاب ، خرج " كتابا كاملا في فنه ، واحدا بين أبناء جنسه ، ممتعا بمحاسنه ، جليلة فوائده ، شريفة مقاصده ، عظيما شانه ، عالية منزلته ومكانه " ، يرد شرعته العلماء وينهل من مورده الباحثون والأدباء .