التنبيه الخامس : قدمنا فيما سبق وجوب اعتماد رواية الثقة إذا انفرد ، وأن عدم قبوله من غير إبداء دليل يدفعه يؤدي إلى إسقاط السنة ، فإن أكثرها مما انفردت به الثقات ، لان المتواتر من السنة قليل ، والسنة هي الأصل الثاني بعد القرآن ، اعتمد عليه المسلمون . قد يقال : إن قولك هذا في حديث واحد ، وكيف يسقط بإنكاره الأحاديث الأخرى التي قبلها الأئمة في صحاحهم . قلت : المراد بإسقاطها إسقاط الثقة بها ، فإن قول الثقة هو المعتمد عليه عقلا وشرعا ، وقد قرره الأئمة في علوم الحديث ، وعلم أصول الفقه ، في نقل حديث السنة ، فإن في ترك ذلك ولو في حديث واحد يدخل الوهن به في كل حديث غيره مثله ، ولا دخل للهوى والتشهي في العلم المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم . التنبيه السادس : إعلم أن هؤلاء الأئمة الذين قبلوا تفرد الثقات وأدخلوا روايتها في صحاحهم وصرحوا بالاعتماد عليها ، لم يفعلوا ذلك إلا على أساس قواعدهم التي حرروها في علوم الحديث فالتزموا بها ، وعملوا في اختيار أحاديثهم على أساسها ، وهي علوم حية تدرس وتسمى علم مصطلح الحديث ، وما زال الحفاظ قديما وحديثا يسيرون على أصولها وهديها ، فكلما