يوجب العلم ، وقد أجمع أهل العلم على أن من حفظ حجة على من لم يحفظ . وزيادة على ذلك ، إن من قواعد هذا الفن أن الحفاظ المتأخرين يلزمهم أن يرجحوا من عنده الدليل من المختلفين قبلهم ، وهم هنا ابن معين وابن نمير والحاكم . وإن من القواعد أن تفرد الثقة الثبت مقبول ، وقد اعتمد هؤلاء على تفرد أبي معاوية ، فلو أن الحاكم اقتصر على توثيق أبي الصلت ، ونقل عن ابن معين توثيقه فقط من غير أن ينقل عن ابن معين متابعة الفيدي وتوثيقه ، لكان لكلامه وجه في أخذ الوسط ، ولكنه لم يقتصر ، بل نقل المتابعة واعتماد ابن معين عليها واعتمدها لذلك ، فلا يتم الاخذ بالوسط . لهذا قلنا : إن كلام الحافظ رحمه الله غير واف وإنه تقصير منه غير مقصود . لقد سبق إلى ذهنه بدون رواية الوسط فقاله ، ولم يسق فيه أي استدلال ، ونعتقد أنه لو أمعن النظر لما تساهل بأخذ الوسط ولحرر الكلام على طريقته المعروفة كما تعودنا منه ذلك . قد يقال : إن أبا عبد الله الحاكم معروف بالتساهل في التصحيح ، وإن أبا الفرج ابن الجوزي أيضا معروف بالتساهل في الحكم بالوضع ، فالمفروض فيما كان كذلك أن لا نحكم بقول واحد منهما بل نحكم بالوسط من قولهما ، وهو تحسين الحديث ، لئلا نهدر شيئا من قولهما كحافظين . قلت : جمع إجمالي وليس استدلالي ، ولا يشفي من يطلب الحق من قول كل واحد منهما ، والقول بأن لا نحكم بقول واحد منهما صحيح ، ولكن الأحق من ذلك أن نبحث الموضوع كله ، وأن نمحص الروايات كلها ، وما قيل فيها من كلام الحفاظ المختلفين ، وما حفظ فيه من غيرهم ، وأن نحكم في الموضوع بما