وهنا في حديثنا انفرد أبو معاوية وهو ثقة حافظ ، رواه عن شيخه الأعمش وهو أثبت الناس فيه ، ومع ذلك فهو ثقة مطلقا في جميع شيوخه ، فحديثه يكون هنا صحيحا . ويمكن أن يعذر المتقدمون الذين اتهموا الرواة الذين لم يحتملوا لهم روايتهم هذا الفن عن أبي معاوية ، أما بعد ظهور ما ينهض بالحديث بما وفق لمعرفته ابن نمير ، وابن معين ، واعتمد عليه الحاكم ، الذي جاء بإسناد معتبر للمتابعة التي ذكرها ابن معين ، وحينئذ فلا عذر لمن عرفها إلا أن يحكم القواعد التي قام عليها هذا العلم ، لا سيما وقد صرح علماء المصطلح بقاعدة أن على الحفاظ المتأخرين أن يعتمدوا على ما عليه الدليل من كلام المتقدمين ، وليس لهم أن يخالفوا هذه القاعدة . ولسنا إذ نخالف جماعة من المتقدمين والمتأخرين وحيدين ، وإنما نوافق آخرين أعلى منهم ساروا على جادة هذه القواعد ، فالحجة قائمة على المتأخرين الذين جمدوا على ضعف الحديث تناسيا لما هو معلوم من وجوب العمل بقول من حفظ ، وتقديمه على المقصرين ، تمشيا على القول المجمع عليه من أن من حفظ حجة على من لم يحفظ وهو الدليل الذي يجب أن يعتمد عليه . وعلى هذا مشى الحافظ الناقد الصلاح العلائي ، فقد حاول جمع أطراف الموضوع ، ووصل إلى نتيجة تشهد لها قواعد هذا الفن ، فقد ذكر أقوال المضعفين الذين وقفوا عندما علموا ، ثم ذكر بعده كلام الحاكم الذي احتج بقول ابن معين الذي تمكن بالحجة على من قصر ، قال فبرئ أبو الصلت من عهدته .