ويتفرقون .
قال : فمكث بذلك أياما حتى فرغ من أمر الناس ، ثم جلس ونفر من خاصة إخوانه ، فقال : قد تزايد سروري بداري هذه ، وقد حدثت نفسي أن أتخذ لكل واحد من ولدي مثلها ، فأقيموا عندي أياما استمتع بحديثكم ، وأشاوركم فيما أريد من هذا البناء لولدي ، فأقاموا عنده أياما يلهون ، ويشاورهم كيف يبني لولده ، وكيف يريد أن يصنع ، فبينا هم ذات يوم في لهوهم حدث إذ سمعوا قائلا يقول من أقاصي الدار :
يا أيها الباني الناسي ميتته * لا تنس فإن الموت مكتوب على الخلائق ليرشدوا أو لينزجروا * فالموت حتف لذي الآمال منصوب لا تبنين دارا لست تسكنها * وراجع النسك كي يغفر الحوب قال : ففزع هذا ، وفزع أصحابه فزعا شديدا ، وراعهم ما سمعوا من هذا . فقال لأصحابه : هل سمعتم ما سمعت ؟ قالوا : نعم . قال : فهل تجدون ما أجد ؟ قالوا : وما تجده ؟ قال أجد والله مسكة على بدني ما أراها إلا علة الموت . قالوا : كلا بل البقاء والعافية .
قال : فبكى ثم أقبل عليهم فقال : أنتم أخلائي ، وإخواني فما لي عندكم ؟ .
قالوا : مرنا بما أحببت من أمرك . قال : فأمر بالشراب فأهريق ، ثم أمر بالملاهي فأخرجت ، ثم قال : اللهم إني أشهدك ، ومن حضر من عبادك أني تائب إليك من جميع ذنوبي ، نادم على ما فرطت أيام مهلتي ، وإياك أسأل إذا هديتني أن تتم علي نعمتك باقي أيامي في طاعتك ، وإن أنت قبضتني إليك أن تغفر لي ذنوبي تفضلا منك علي ، واشتد به الأمر فلم يزل يقول : الموت والله ، الموت والله ، حتى خرجت نفسه .
فكان الفقهاء يرون أنه مات على توبة " .
( 34 ) - حدثني محمد بن الحسين ، حدثني يوسف بن الحكم الرقي ، حدثني فياض