التصحيح والتضعيف ، القائمة على العلم بمصطلح الحديث والجرح والتعديل ، وأقوال الأئمة فيهما ، ومعرفة ما اتفقوا عليه وما اختلفوا فيه ، مع القدرة على تمييز الراجح من المرجوح فيه ، حتى لا يكون إمعة فتأخذ به الأهواء يمينا ويسارا ، وهذا شئ عزيز قلما يجتمع ذلك كله في شخص ، لا سيما في هذه العصور المتأخرة .
وقد رأيت الحافظ المنذري رحمه الله ، قد أشار إلى شئ مما ذكرته من المواصفات ، بحيث يمكن اعتبار كلامه في ذلك جوابا صالحا عن السؤال السابق ، فقال في آخر كتابه : " الترغيب " قبيل ذكر الرواة المختلف فيهم " قال ما نصه :
" ونستغفر الله سبحانه مما زل به اللسان ، أو داخله ذهول ، أو غلب عليه نسيان ، فان كل مصنف مع التوؤدة والتاني ، وامعان النظر وطول الفكر قل أن ينفك عن شئ من ذلك ، فكيف ب ( المملي ) مع ضيق وقته ، وترادف همومه ، واشتغال باله ، وغربة وطنه ، وغيبة كتبه ؟ . . .
وكذلك تقدم في هذا الاملاء أحاديث كثيره جدا صحاح ، وعلى شرط الشيخين أو أحدهما ، وحسان ، لم ننبه على كثير من ذلك ، بل قلت غالبا : إسناد جيد ، أو : رواته ثقات ، أو : رواة " الصحيح " ، أو نحو ذلك ، وإنما منع من النص على ذلك تجويز وجود علة لم تحضرني مع الاملاء " .
قلت : فهذا نص منه رحمه الله ( ؟ ؟ ؟ ) ذكرته في أول جوابي عن السؤال ، فالحمد لله الذي بنعمة تتم الصالحات .
قلة الأحاديث التي صرح الهيثمي بتقوية أسانيدها وأعود لتأكيد وتوضيع أن الجواب المذكور ليس خاصا بصنيع المنذري رحمه الله تعالى ، بل هو عام شامل لكل من جرى على ذلك من المصنفين ، وان من أقربهم إلى منهجه منهج الحافظ نور الدين الهيثمي ، فإنه يكثر جدا من استعمال ذلك القول في كتابه " مجمع الزوائد ومنبع الفوائد " الجامع لزوائد كتب ستة ، على الكتب الستة ، كما هو معلوم ،