إلى آخر ما قالوا ، وفي الحديث : إذا قال ابن آدم لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه . فافهم وأضف الشر والشؤم إلى المكلفين فإنه صدق بخلاف الزمان ، ومن تأمل في نفسه وجد تحت حكم قضاء الله وقدره في كل ما يقع على يديه من المعاصي والشرور فليس في يده دفعها عنه ولا دفع جزائها عنه إذا وقعت ، وكذلك جميع أفعال الظلمة والولاة ، فأمسك يا أخي الأصل وتنزل في الفروع من غير غفلة عن مشاهدة الأصل لئلا تشرك بالله تعالى شيئا من خلقه على وجه أن لذلك الشئ أثرا في إيجاد الأفعال ، وأضف الأفعال إلى الخلق من حيث الوجه الذي أضافه الحق تعالى إليهم بقوله تعالى : " تفعلون " ، " تعملون " ، " تكسبون " ، ونحو ذلك . وسمعت سيدي الخواص رحمه الله يقول : اجتمع أصحاب سيدي الشيخ سالم أبي النجا الفوي بمدينة فوة بالبحيرة وهو محتضر وكانوا سبعمائة رجل ، فقالوا له أوصنا في هذا الوقت وصية موجزة نحفظها عنك فسكت ، ثم قال أعلموا يا إخواننا أن كل ما في الوجود يقابلكم بشاكلة ما برز منكم من الأعمال الظاهرة والباطنة فانظروا كيف تكونون . قلت وهذا كلام في غاية النفاسة فمن تأمله لم يضف قط إلى الزمان وأهله شيئا إلا على وجه الاستناد لأجل إقامة الحدود والتكاليف كما أشار إليه حديث : الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم أو متعلم . فلولا أنه يصح نسبة الأمور للدنيا ما أخبر الشارع صلى الله عليه وسلم أنها ملعونة فتأمله والله يتولى هداك . روى الشيخان وغيرهما مرفوعا : " " قال الله تعالى : يسب بنو آدم الدهر ، وأنا الدهر بيدي الليل والنهار . وفي رواية : " " أقلب ليله ونهاره وإذا شئت قبضتهما " " . وفي رواية لمسلم : " " لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر " " . وفي رواية للبخاري : " " لا تسم العنب الكرم ولا تقولوا خيبة الدهر فإن الله هو الدهر " " .