فإذا تم سيره ورجع كشف له عن جميع ما فيه من الأجزاء ووجب عليه أن يعطي كل ذي حق حقه ، وهناك يرى فيه جزءا يطلب الثواب على عبادته وإن وصل إلى أعلى مراتب السلوك . ولما كان هذا الجزء يضعف حتى لا يكاد يظهر له عين ، ربما ظن بعضهم أنه صار يعبد الله خالصا إخلاصا كليا لخفاء ذلك الجزء عليه ، والحال أنه باق ولكن عسكر جيش العبودية قوي عليه فأفهم ، فإن هذا من لباب المعرفة . وقد أوحى الله تعالى إلى داود عليه الصلاة والسلام : " " ومن أظلم ممن عبدني لجنة أو نار ؟ لو لم أخلق جنة أو نارا ألم أكن أهلا لأن أطاع ؟ " " اه . فلكل مقام رجال . واعلم أنه قد يكون للفقراء أعذار باطنية فربما تخلفوا عن الخروج لصلاة الجماعة فلا ينبغي لأحد المبادرة إلى الإنكار عليهم إلا بعد أن يتعرف ذلك العذر منهم ، فربما غلب عليهم حال قاهر منعهم من الخروج ، والمنهي عنه إنما هو تخلف العبد عن صلاة الجماعة لشغل دنيوي أو مفضول مع قدرته على الخروج ، وهؤلاء لو ضرب أحدهم بسيف ما قدر على الخروج بل يرون ضرب السيف أهون على أحدهم من خروجه من بيته أو خلوته عند غلبة الحال عليه ، ولا يعرف ذلك إلا من ذاقه . وقد كان سيدي الشيخ مدين لا يخرج من بيته إلا لصلاة العصر فقط مع أن المسجد على باب داره ، وكذلك سيدي محمد الغمري ، وكذلك سيدي علي المرصفي فقيل لسيدي مدين في ذلك ، فقال ربما يكون الفقير في بيته في حال جمعية قلب مع الله تعالى أقوى من جمعيته معه إذا خرج اه . فسلم يا أخي للقوم ، وفي القران العظيم : * ( ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خير لهم ) * . مع كون الصحابة إنما نادوه طلبا لإرشادهم في أمور دينهم ، فلولا أنه صلى الله عليه وسلم كان في حال جمعية خاصة مع الله تعالى لكان قدم الخروج لتعليم الناس أمور دينهم ، وكذلك القول في كل ورثته من بعده لا ينبغي لأحد أن ينكر عليهم إذا لم يخرجوا للصلاة إلا إذا علم رجحان خروجهم على مكثهم في بيتهم ، فإن هناك يتعين عليهم الخروج على الفور فتنبه يا أخي لذلك ، فإن لكل مؤمن حظا من مقامه صلى الله عليه وسلم . * ( والله عليم حكيم ) * .