لا تعمل ، فكيف تطلب علم ما لا تعلم ؟ وكان يقول : اطلبوا العلم للعمل ، فإن أكثر الناس قد غلطوا في ذلك فصار علمهم كالجبال وعملهم كالهباء . وكان ذو النون المصري رضي الله عنه يقول : أدركنا الناس وأحدهم كلما ازداد علما ازداد في الدنيا زهدا وتقللا من أمتعتها ، ونراهم اليوم كلما ازداد أحدهم علما ازداد في الدنيا رغبة وتكثيرا لأمتعتها . وكان يقول : فكيف طالب العلم عاملا به وهو ينام وقت الغنائم ووقت فتح الخزائن ووقت نشر العلوم والمواهب في الأسحار لا يتهجد من الليل ساعة . وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول : كيف تعلمون هؤلاء العلم وهم يأكلون من الحرام والشبهات والله إنهم كالأموات الذين يرتعون في النار ولو أنهم كانوا أحياء لوجدوا ألم النار في بطونهم من هذه الدار . وكان منصور بن المعتمر رضي الله عنه يقول لعلماء زمانه : لستم علماء ، وإنما أنتم مقلدون بالعلم يسمع أحدكم المسألة ويحكيها فقط ، ولو أنكم كنتم تعلمون بعلمكم لتجرعتم الغصص ، فإن العلم كله محثكم على التورع في المأكل والملبس حتى لا يجد أحدكم رغيفا يأكله ولا خرقة يواري بها عورته ، والله لقد لبست الحصير كذا كذا شهرا حتى وجدت ثوبا من حلال . وكان الربيع بن خثيم يقول : كيف يرائي العالم بما يعلم مع علمه بأن كل ما لا يبتغي به وجه الله يضمحل ، وكان إذا دخل عليه أمير على غفلة وهو يدرس العلم يغتم لذلك ، وكان إذا بلغه أن أحدا من الأمراء عازم على زيارته لا يدرس علما ذلك اليوم خوفا أن يراه ذلك الأمير وهو في محفل درسه العظيم . وكان يقول : من علامة المخلص في علمه أن ينقبض في نفسه إذا مدحه الأكابر ويتأثر كما يتأثر ممن اطلع عليه وهو يزني . وكان الحسن البصري يقول : يقبح على طالب العلم أن يشبع من الحلال في هذا الزمان فكيف بمن يشبع من الحرام ، والله إني أود أن الأكلة تصير في بطني كالاجرة فتكفيني حتى أموت فإنه بلغنا أنها تمكث في الماء ثلاثمائة عام وأكثر . وكان يقول ورع العلماء إنما يكون في الشبهات وإنما ورعهم اليوم عن المعاصي الظاهرة . وكان يقول بلغنا أنه يأتي آخر الزمان رجال يتعلمون العلم لغير الله كي لا يضيع ، ثم يكون عليهم تبعته يوم القيامة ، فليفتش الإنسان نفسه .