أهو مما رويناه عن الأئمة المجتهدين في تبرئتهم من القول بالرأي في دين الله أن ابن عباس وعطاء وتبعهما على ذلك الإمام مالك كانوا يقولون : كل أحد مأخوذ من كلامه ومردود عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه يقول : حرام على من لا يعرف دليلي أن يفتي بكلامي ، وكان إذا أفتى أحدا بفتوى يقول : هذا رأي أبي حنيفة وهو أحسن ما قدرنا عليه فمن جاء بأحسن منه فهو أولى بالصواب . وكان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول : إذا صح الحديث فهو مذهبي . وكان يقول : إذا رأيتم كلامي يخالف كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعملوا بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم واضربوا بكلامي الحائط . وقال للمزني حين قلده في مسألة : لا تقلدني يا أبا إبراهيم في كل ما أقول وانظر لنفسك فإنه دين ، وكان يقول في المسألة إذا رأى دليلها ضعيفا لو صح الحديث لقلنا به ، وكان أحب إلينا من القياس . وفي رواية : إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي شئ لم يحل لنا تركه ولا حجة لأحد معه . وفي رواية : لا حجة لأحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كثروا ولا في قياس ولا في شئ فإن الله تعالى لم يجعل لأحد معه كلاما ، وجعل قوله يقطع كل قول . وقد جمعنا كلام الإمام كله في ذلك في مقدمة كتابنا المسمى بالمنهج المبين . وأما الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى فحاله معلوم في اتباع السنة حتى أنه اختفى أيام المحنة ثلاثة أيام ، ثم خرج فقيل له إنهم الآن يطلبونك ، فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمكث في الغار حين اختفى من الكفار أكثر من ثلاث . وبلغنا أنه لم يدون له في الفقه كلام قط خوفا أن يخالف رأيه كلام الشارع صلى الله عليه وسلم . وكان يقول أو لأحد كلام مع الله ورسوله ؟ وجميع مذهبه ملفق من صدور أصحابه : وكان يقول : لا يكاد أحد ينظر في كتب الرأي إلا وفي قلبه دغل . وكان يقول : إذا رأيتم في بلد صاحب حديث لا يدري صحيحه من سقيمه وهناك صاحب رأي فاسألوا من صاحب الحديث ولا تسألوا من صاحب الرأي . وكان يقول : لا تقلدوا في دينكم فإنه قبيح على من أعطى شمعة يستضئ بها أن يطفئها